أَمَّا سُؤَالُ الْفِعْلِ فَجَوَابُهُ الْمُعَارَضَةُ بِالْعِلْمِ، وَأَمَّا سُؤَالُ الْوَعِيدِ فَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ/ فِي صُورَةِ التَّوْبَةِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا فِي صُورَةِ الْعَفْوِ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَفْوِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ قَالَ الْقَاضِيَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَ مُمْكِنٌ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثَّوَابِ أَوْ يَزِيدَ فِي الْعِقَابِ، قَالَ: وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا دُونَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْمُجْبِرَةِ: إِنَّ أَيَّ شَيْءٍ فَعَلَهُ تَعَالَى فَهُوَ عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ.
الْجَوَابُ: نَفْيُ الظُّلْمِ عَنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ قَوْلِهِ: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ الْبَقَرَةِ:
255 لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِمَا عليه.
سورة آل عمران (3) : آية 162أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ آل عمران: 161 أَتْبَعَهُ بِتَفْصِيلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ جَزَاءَ الْمُطِيعِينَ مَا هُوَ، وَجَزَاءَ الْمُسِيئِينَ مَا هُوَ، فَقَالَ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ فِي تَرْكِ الْغُلُولِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ فِي فِعْلِ الْغُلُولِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ. الثَّانِي: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بِالْكُفْرِ بِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَعْصِيَتِهِ، الثَّالِثُ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، الرَّابِعُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمَّا حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يَحْمِلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَفَعَلَهُ بَعْضُهُمْ وَتَرَكَهُ آخَرُونَ. فَقَالَ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ وَهُمُ الَّذِينَ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَقْبَلُوا قَوْلَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي:
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ قصر اللفظ عليه لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْكُلَّ. لأن كل من أقدم على الطاعة فهو داخل تحت قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ وَكُلُّ مَنْ أَخْلَدَ إِلَى مُتَابَعَةِ النَّفْسِ وَالشَّهْوَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لَكِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ لَا يَبْطُلُ لِأَجْلِ خُصُوصِ السَّبَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَمِنَ اتَّقَى فَاتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: باءَ بِسَخَطٍ أَيِ احْتَمَلَهُ وَرَجَعَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ عَاصِمٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: رُضْوَانَ اللَّهِ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَهُمَا مَصْدَرَانِ، فَالضَّمُّ كَالْكُفْرَانِ، وَالْكَسْرُ كَالْحِسْبَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ مِنْ صِلَةِ مَا قَبْلَهُ وَالتَّقْدِيرُ: كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمَ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَمُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، كَأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ جَهَنَّمَ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ صِفَتِهَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
الْجَاثِيَةِ: 21 وَقَوْلُهُ: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ السَّجْدَةِ: 18 وَقَوْلُهُ: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ص: 28 وَاحْتَجَّ الْقَوْمُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَ الْمُطِيعِينَ فِي