مَذْكُورَاتٍ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ أَوْ بِدَلَالَةٍ جَلِيَّةٍ، أَوْ بِدَلَالَةٍ خَفِيَّةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ خَارِجَةً عَنِ الْمَذْكُورَاتِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَةِ الْخَوَارِجِ أَنْ نَقُولَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ عَامٌّ،
وَقَوْلُهُ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا»
خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى العام، ثم هاهنا طَرِيقَانِ: تَارَةً نَقُولُ: هَذَا الْخَبَرُ بَلَغَ فِي الشُّهْرَةِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، وَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ جَائِزٌ، وَعِنْدِي هَذَا الْوَجْهُ كَالْمُكَابَرَةِ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الشُّهْرَةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لَكِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى فِي الْأَصْلِ إِلَى رِوَايَةِ الْآحَادِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْآحَادِ. وَتَارَةً نَقُولُ: تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ، وَتَقْرِيرُهُ مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ، فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْجَوَابِ عِنْدَنَا الْوَجْهُ الأول.
الصنف الثاني: مِنَ التَّخْصِيصَاتِ الدَّاخِلَةِ فِي هَذَا الْعُمُومِ: أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ، إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ البقرة: 230 .
الصنف الثالث: تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة: 228 .
الصنف الرابع: مَنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ:
الْقَادِرُ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النِّسَاءِ: 25 وَسَيَأْتِي بَيَانُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا المطلوب.
الصنف الخامس: يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِالْخَامِسَةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ النساء: 3 .
الصنف السادس: الْمُلَاعَنَةُ: وَدَلِيلُهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُتَلَاعِنَانِ لا يجتمعان أبدا» .
قوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.
فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: أَنْ تَبْتَغُوا فِي مَحَلِّهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رُفِعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ «مَا» وَالتَّقْدِيرُ:
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (وَأُحِلَّ) بِضَمِّ الْأَلِفِ.. وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ كَانَ مَحَلُّ «أَنْ تَبْتَغُوا» نَصْبًا. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ النَّصْبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِأَنْ تَبْتَغُوا، والمعنى: وأحل لكم ما وراء ذلكم لا رادة أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَقَوْلُهُ: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ، وَقَوْلُهُ: مُحْصِنِينَ أَيْ مُتَعَفِّفِينَ عَنِ الزِّنَا، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُسافِحِينَ أَيْ غَيْرَ زَانِينَ، وَهُوَ تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ. قَالَ اللَّيْثُ: السِّفَاحُ وَالْمُسَافَحَةُ الْفُجُورُ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مِنَ السَّفْحِ وَهُوَ الصَّبُّ يُقَالُ: دُمُوعٌ سَوَافِحُ وَمَسْفُوحَةٌ، قَالَ تَعَالَى: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً الْأَنْعَامِ: 145 وَفُلَانٌ سَفَّاحٌ لِلدِّمَاءِ أَيْ سَفَّاكٌ، وسمي الزاني سِفَاحًا لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلزَّانِي إِلَّا سَفْحُ النُّطْفَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ مَفْعُولُ تَبْتَغُوا؟