معنى اللام في (الحمد لله) :
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا كَثِيرَةً: أَحَدُهَا: الِاخْتِصَاصُ اللَّائِقُ كَقَوْلِكَ الْجُلُّ لِلْفَرَسِ وَثَانِيهَا: الْمِلْكُ كَقَوْلِكَ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَثَالِثُهَا: الْقُدْرَةُ وَالِاسْتِيلَاءُ كَقَوْلِكَ الْبَلَدُ لِلسُّلْطَانِ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ فَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ اللَّائِقِ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْحَمْدُ إِلَّا بِهِ لِغَايَةِ جَلَالِهِ وَكَثْرَةِ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْمِلْكِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكٌ لِلْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْهُمْ كَوْنَهُمْ مُشْتَغِلِينَ بِحَمْدِهِ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ وَالْقُدْرَةِ فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ وَمَا سِوَاهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ وَالْوَاجِبُ لِذَاتِهِ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِ وَبِمَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ مِلْكُهُ وَمَلَكَهُ، وَبِمَعْنَى أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْكُلِّ وَالْمُسْتَعْلِي عَلَى الْكُلِّ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ، وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، فَمَنْ قَالَ هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ عَنْ صَفَاءِ قَلْبِهِ اسْتَحَقَّ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ.
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْحَمْدُ لَفْظَةٌ مُفْرَدَةٌ دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِمَعْهُودٍ سَابِقٍ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنِ الْإِجْمَالِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّهُ يُفِيدُ الْمَاهِيَّةَ وَالْحَقِيقَةَ فَقَطْ، إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَفَادَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَمَدًا وَثَنَاءً فَهُوَ لِلَّهِ وَحَقُّهُ وَمِلْكُهُ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ الْبَتَّةَ، وَإِنْ قُلْنَا/ بِالْقَوْلِ الثَّانِي: كَانَ معناه أن ماهية الحمد حق الله تَعَالَى وَمِلْكٌ لَهُ، وَذَلِكَ يَنْفِي كَوْنَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَثَبَتَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَنْفِي حُصُولَ الْحَمْدِ لِغَيْرِ اللَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْمُنْعِمَ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ مِنَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَالْأُسْتَاذُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ مِنَ التِّلْمِيذِ وَالسُّلْطَانُ الْعَادِلُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ مِنَ الرَّعِيَّةِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ لَمْ يَحْمَدِ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ.
قُلْنَا: إِنَّ كُلَّ مَنْ أَنْعَمَ عَلَى غَيْرِهِ بِإِنْعَامٍ فَالْمُنْعِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ تِلْكَ الدَّاعِيَةَ فِي قَلْبِ ذَلِكَ الْمُنْعِمِ وَإِلَّا لَمْ يُقْدِمْ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْعَامِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ تِلْكَ النِّعْمَةَ وَسَلَّطَ ذَلِكَ الْمُنْعِمَ عَلَيْهَا وَمَكَّنَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ لَمَا حَصَلَ الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُنْعِمَ فِي الْحَقِيقَةِ هو الله تعالى.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ قَوْلَهَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَحْمُودَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ دَلَّ عَلَيْهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ دَاعِيَةَ الْإِنْعَامِ فِي قَلْبِ الْمُنْعِمِ لَمْ يُنْعِمْ فَيَكُونُ الْمُنْعِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ تِلْكَ الدَّاعِيَةَ وَثَانِيهَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ بِذَلِكَ الْإِنْعَامِ عِوَضًا إما ثواباً أو ثناء أو تحصيل حَقٍّ أَوْ تَخْلِيصًا لِلنَّفْسِ مِنْ خُلُقِ الْبُخْلِ، وَطَالِبُ الْعِوَضِ لَا يَكُونُ مُنْعِمًا، فَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ فِي الْحَقِيقَةِ، أَمَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ كَامِلٌ لِذَاتِهِ، وَالْكَامِلُ لِذَاتِهِ لَا يَطْلُبُ الْكَمَالَ، لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، فَكَانَتْ عَطَايَاهُ جُودًا مَحْضًا وَإِحْسَانًا مَحْضًا، فَلَا جَرَمَ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَثَالِثُهَا: أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ فَهِيَ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَةِ الْوُجُودِ، وَكُلُّ مُمْكِنِ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ وُجِدَ بِإِيجَادِ الْحَقِّ إِمَّا ابْتِدَاءً وَإِمَّا بِوَاسِطَةٍ، يَنْتُجُ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ