الْفَرْعُ الرَّابِعُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي صُورَةٍ بِالْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقِيسَهُ عَلَى صُورَةٍ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا بِالنَّصِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقِيسَهُ عَلَى صُورَةٍ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ظَاهِرُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى الْحُكْمِ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصِّ اللَّه وَنَصِّ رَسُولِهِ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْقُرْآنِ، وَالْقِيَاسَ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالسُّنَّةِ إِذَا تَعَارَضَا كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ الْكِتَابَ عَلَى السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَفِي قَوْلِهِ: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَكَذَلِكَ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا تَأَيَّدَ بِإِيمَاءٍ فِي كِتَابِ اللَّه وَالْآخَرُ تَأَيَّدَ بِإِيمَاءِ خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّه، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّانِي، يَعْنِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ، فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ اسْتَنْبَطْنَاهَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَتَيْنِ، وَلَعَلَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ الْفِكْرَ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ أَمْكَنَهُ اسْتِنْبَاطَ أَكْثَرِ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: وَأُولِي الْأَمْرِ مَعْنَاهُ ذَوُو الْأَمْرِ وَأُولُو جَمْعٌ، وَوَاحِدُهُ ذُو عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، كَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، كُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِلْجَمْعِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ فِي اللَّفْظِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: اخْتَلَفْتُمْ وَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ: الْقَوْلُ قَوْلِي وَاشْتِقَاقُ الْمُنَازَعَةِ مِنَ النَّزْعِ الَّذِي هُوَ الْجَذْبُ، وَالْمُنَازَعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاذَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ لِحُجَّةٍ مُصَحِّحَةٍ لِقَوْلِهِ، أَوْ مُحَاوَلَةِ جَذْبِ قَوْلِهِ وَنَزْعِهِ إِيَّاهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذَا الْوَعِيدُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى قَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَإِلَى قَوْلِهِ:
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُطِعِ اللَّه وَالرَّسُولَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَخْرُجَ الْمُذْنِبُ عَنِ الْإِيمَانِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أَيْ ذَلِكَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً لَكُمْ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ عِبَارَةٌ عَمَّا إِلَيْهِ مَآلُ الشيء ومرجعه وعاقبته.
سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 61أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61)
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ إلى قوله تعالى ضَلالًا بَعِيداً اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَنْ يُطِيعُوا اللَّه وَيُطِيعُوا الرَّسُولَ ذَكَرَ فِي