شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِنَا، فَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ الشَّافِعَ يَشْفَعُ فِي حَقٍّ أَوْ فِي بَاطِلٍ حَفِيظٌ عَلَيْهِ فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا عَلِمَ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّمَا قَالَ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى الْمَقْدُورَاتِ صِفَةً كَانَتْ ثَابِتَةً لَهُ من الأزل، وليست صفة محدثة، فقوله: كانَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ وَقْتِ كَذَا أَوْ حَالِ كَذَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا مِنَ الْأَزَلِ إلى الأبد.
سورة النساء (4) : آية 86وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)
فِي النَّظْمِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجِهَادِ أَمَرَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَعْدَاءَ لَوْ رَضُوا بِالْمَسْأَلَةِ فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا رَاضِينَ بِهَا، فَقَوْلُهُ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها الْأَنْفَالِ: 61 . الثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجِهَادِ كَانَ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى سَلَامِهِ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُهُ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَمَنَعَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ وَأَمَرَهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُكْرِمُهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِكْرَامِ يُقَابِلُونَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْإِكْرَامِ أَوْ أَزْيَدَ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَافِرًا لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمَ أَنْ قَابَلَ إِكْرَامَ ذَلِكَ الْكَافِرِ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِكْرَامِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد، في قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: التَّحِيَّةُ تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَّيْتُ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ تَحْيِيَةٌ، مِثْلُ التَّوْصِيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَالْعَرَبُ تُؤْثِرُ التَّفْعِلَةَ عَلَى التَّفْعِيلِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ الْوَاقِعَةِ: 94 فَثَبَتَ أَنَّ التَّحِيَّةَ أَصْلُهَا التَّحْيِيَةُ ثُمَّ أَدْغَمُوا الْيَاءَ فِي الْيَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا: حَيَّاكَ اللَّه وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْحَيَاةِ كَأَنَّهُ يَدْعُو لَهُ بِالْحَيَاةِ، فَكَانَتِ التَّحِيَّةُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَيَّاكَ اللَّه، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُبْدِلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ، فَجَعَلُوا التَّحِيَّةَ اسْمًا لِلسَّلَامِ. قَالَ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الْأَحْزَابِ: 44 وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَلِّي: التَّحِيَّاتُ للَّه، أَيِ السَّلَامُ مِنَ الْآفَاتِ للَّه، وَالْأَشْعَارُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ. قَالَ عَنْتَرَةُ:
حَيْيَتُ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
وَقَالَ آخَرُ:
إِنَّا مُحَيُّوكِ يَا سَلْمَى فَحَيِّينَا
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَيَّ إِذَا كَانَ سَلِيمًا كَانَ حَيًّا لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ إِذَا كَانَ حَيًّا كَانَ سَلِيمًا، فَقَدْ تَكُونُ حَيَاتُهُ مَقْرُونَةً بِالْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه. الثَّانِي: أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى، فَالِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ اللَّه أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ إِبْقَاءَ السَّلَامَةِ عَلَى عِبَادِهِ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فِيهِ بِشَارَةٌ بِالسَّلَامَةِ، وَقَوْلَهُ: حَيَّاكَ اللَّه لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، فَكَانَ هَذَا أَكْمَلُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ السَّلَامِ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَمِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى سَلَّمَ عَلَى المؤمنين فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى كَأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْكَ فِي الْأَزَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي وَصْفِ ذَاتِهِ: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الحشر: 23 ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى نُوحٍ وَجَعَلَ لَكَ من ذلك السلام نصيبا، فقال: قِيلَ/ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ هُودٍ: 48 وَالْمُرَادُ