وهو الْمُعْجِزَةُ، فَإِذَا كَانَتِ الْمُعْجِزَةُ حَاصِلَةً فِي الْكُلِّ كَانَ تَرْكُ الْإِيمَانِ بِالْبَعْضِ طَعْنًا فِي الْمُعْجِزَةِ، وَإِذَا حَصَلَ الطَّعْنُ فِي الْمُعْجِزَةِ امْتَنَعَ التَّصْدِيقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا النِّسَاءِ: 150، 151 .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لِمَ قَالَ نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وأَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ.
وَالْجَوَابُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مُفَرَّقًا مُنَجَّمًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً بِخِلَافِ الْكُتُبِ قَبْلَهُ.
وَأَقُولُ: الْكَلَامُ فِي هَذَا سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ آلِ عِمْرَانَ: 3، 4 .
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ، وَأَيُّ الْكُتُبِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ؟
الْجَوَابُ: أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فيصلح للعموم.
سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 138إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138)
في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْإِيمَانِ وَرَغَّبَ فِيهِ بَيَّنَ فَسَادَ طَرِيقَةِ مَنْ يَكْفُرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِيهَا أَقْوَالًا كَثِيرَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الَّذِينَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُمُ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْعَ لِلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، إذا لَوْ كَانَ لِلْإِيمَانِ وَقْعٌ وَرُتْبَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ لَمَا تَرَكُوهُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَمَنْ لَا يَكُونُ للإيمان في قبله وَقْعٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ باللَّه إِيمَانًا صَحِيحًا مُعْتَبَرًا فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ الِاسْتِبْعَادُ وَالِاسْتِغْرَابُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ نَرَى الْفَاسِقَ الَّذِي يَتُوبُ ثُمَّ يَرْجِعُ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُرْجَى مِنْهُ الثَّبَاتُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يموت على الفسق، فكذا هاهنا. الثَّانِي: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْيَهُودُ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَبِمُوسَى، ثُمَّ كَفَرُوا بِعُزَيْرٍ، ثُمَّ آمَنُوا بِدَاوُدَ، ثُمَّ كَفَرُوا بِعِيسَى، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا عِنْدَ مَقْدَمِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. الثَّالِثُ: قَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ الْمُنَافِقُونَ، فَالْإِيمَانُ الْأَوَّلُ إِظْهَارُهُمُ الْإِسْلَامَ، وَكُفْرُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ نِفَاقُهُمْ وَكَوْنُ بَاطِنِهِمْ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِمْ، وَالْإِيمَانُ الثَّانِي هُوَ أَنَّهُمْ كُلَّمَا لَقُوا جَمْعًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا إِنَّا مُؤْمِنُونَ وَالْكَفْرُ الثَّانِي هُوَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا عَلَى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن، وَازْدِيَادُهُمْ فِي الْكُفْرِ هُوَ جِدُّهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ فِي اسْتِخْرَاجِ أَنْوَاعِ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَإِظْهَارُ الْإِيمَانِ قَدْ يُسَمَّى إِيمَانًا قَالَ تَعَالَى وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الْبَقَرَةِ: 221 قَالَ الْقَفَّالُ رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْهِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ هَذَا الْعَدَدِ، بَلِ الْمُرَادُ تَرَدُّدُهُمْ كَمَا قَالَ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ النِّسَاءِ: 143 قَالَ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. الرَّابِعُ: قَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَصَدُوا تَشْكِيكَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانُوا يُظْهِرُونَ