النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّفْسِ، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْأَجْزَاءِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهَا، وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُمَا، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُمَا تَحْتَ النَّصِّ، وَأَمَّا الْخَبَرُ
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُلُّوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً»
فَقَوْلُهُ «بُلُّوا الشَّعَرَ»
يَدْخُلُ فِيهِ الْأَنْفُ لِأَنَّ فِي دَاخِلِهِ شَعَرًا، وَقَوْلُهُ «وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» يَدْخُلُ فِيهِ جلدة داخل الفم.
المسألة السابعة: شَعَرُ الرَّأْسِ إِنْ كَانَ مَفْتُولًا لَا مَشْدُودًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى جِلْدَةِ الرَّأْسِ وَجَبَ نَقْضُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ لَمْ يَجِبْ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَجِبُ. لَنَا أَنَّ قَوْلَهُ فَاطَّهَّرُوا عِبَارَةٌ عَنْ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ شَدُّ بَعْضِ الشُّعُورِ بِالْبَعْضِ مَانِعًا مِنْهُ وَجَبَ إِزَالَةُ ذَلِكَ الشَّدِّ لِيَزُولَ ذَلِكَ الْمَانِعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْهُ لَمْ يَجِبْ إِزَالَتُهُ، لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَدْ حَصَلَ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا تَرْتِيبَ فِي الْغُسْلِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى الْبَدَنِ لَنَا أَنَّ قَوْلَهُ فَاطَّهَّرُوا أَمْرٌ بِالتَّطْهِيرِ الْمُطْلَقِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى كُلِّ الْبَدَنِ، فَإِذَا حَصَلَ التَّطْهِيرُ وَجَبَ أَنْ يكون كافيا في الخروج عن العهدة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ النِّسَاءَ: 43 وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ عَدَمَ الْمَاءِ، لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَلَا مَعْنَى لِضَمِّهِ إِلَى الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ قَوْلُهُ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً إِلَى الْمُسَافِرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَرَضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَخَافَ الضَّرَرَ وَالتَّلَفَ، فَهَهُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَخَافَ الضَّرَرَ وَلَا التَّلَفَ، فَهَهُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ يَجُوزُ، وَحُجَّتُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَرَضِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَخَافَ الزِّيَادَةَ فِي الْعِلَّةِ وَبُطْءِ الْمَرَضِ، فَهَهُنَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّه، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الرَّابِعُ: أَنْ يَخَافَ بَقَاءَ شَيْنٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أعضائه، قال في «الجديد» : لا يتيمم. وقال فِي «الْقَدِيمِ» يَتَيَمَّمُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلْآيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ كَانَ الْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَاصِلًا فِي بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: إِنَّهُ يَغْسِلُ مَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: إِنْ كَانَ/ أَكْثَرُ الْبَدَنِ صَحِيحًا غَسَلَ الصَّحِيحَ دُونَ التَّيَمُّمِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ جَرِيحًا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْمَرَضَ أَحَدَ أَسْبَابِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ، وَالْمَرَضُ إِذَا كَانَ حَالًّا فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ فَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْآيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ أَلْصَقَ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ لَصُوقًا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَلَا يَخَافُ مِنْ نَزْعٍ ذَلِكَ اللَّصُوقِ التَّلَفَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: يَلْزَمُهُ نَزْعُ اللَّصُوقِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَصِلَ التُّرَابُ إِلَيْهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: