هَذَا الشَّرْطُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: لَوْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ. قَالَ طَاوُسٌ: يلزمه.
لنا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا جَوَّزَ لَهُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِخُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ سَبَبٌ لِلْإِجْزَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ.
لَنَا أَنَّ عَدَمَ وِجْدَانِ الْمَاءِ يَقْتَضِي جَوَازَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِحُكْمِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ، فَقَدِ انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَنَقُولُ: مَا لَمْ يُبْطِلْ صَلَاتَهُ/ لَا يَصِيرُ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَمَا لَمْ يَصِرْ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَيَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَيَكُونُ دَوْرًا وَهُوَ بَاطِلٌ. واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ وُجُودَ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. حُجَّةُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْمَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ النِّسْيَانُ سَبَبٌ لِلْعَجْزِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عِنْدَ النِّسْيَانِ عَاجِزٌ فِيهِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي ذَلِكَ النِّسْيَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ: إِذَا ضَلَّ رَحْلُهُ فِي الرِّحَالِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ الْإِعَادَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: إِذَا نَسِيَ كَوْنَ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَقْصَى فِي الطَّلَبِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْعُذْرَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقْصَى فِي الطَّلَبِ صَارَ عَاجِزًا عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً فِي بِئْرٍ بِجَنْبِهِ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَهُ أَوَّلًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا قَطُّ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ فَلَا إِعَادَةَ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ مِائَةُ مَسْأَلَةٍ، وَقَدْ كَتَبْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ مَا كَانَ مَعَنَا شَيْءٌ مِنَ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَكَانَ الْقَلْبُ مُشَوَّشًا بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. فَنَسْأَلُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَدَّنَا فِي اسْتِنْبَاطِ أَحْكَامِ اللَّه مِنْ نَصِّ اللَّه سَبَبًا لِرُجْحَانِ الْحَسَنَاتِ عَلَى السيئات أنه أعز مأمول وأكرم مسؤول.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ