ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْلِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَهَذَا مُحَالٌ.
حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِكَوْنِ هَذَا الْقَطْعِ جَزَاءً، وَالْجَزَاءُ هُوَ الْكَافِي، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ كَافٍ فِي جِنَايَةِ السَّرِقَةِ، وَإِذَا كَانَ كَافِيًا وَجَبَ أَنْ لَا يُضَمَّ الْغُرْمُ إِلَيْهِ.
وَالْجَوَابُ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ رَدُّ الْمَسْرُوقِ عِنْدَ كَوْنِهِ قَائِمًا، واللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: السَّيِّدُ يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْمَمَالِيكِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: لَا يَمْلِكُ.
حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ، لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَلَمَّا عَمَّ الْكُلَّ دَخَلَ فِيهِ الْمَوْلَى أَيْضًا، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ وَالْمَوْلَى، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: احْتَجَّ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يُنَصِّبُوا لِأَنْفُسِهِمْ إِمَامًا مُعَيَّنًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى السُّرَّاقِ وَالزُّنَاةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِهَذَا الْخِطَابِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ، بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْأَحْرَارِ الْجُنَاةِ إِلَّا لِلْإِمَامِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّكْلِيفُ تَكْلِيفًا جَازِمًا وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ هَذَا التَّكْلِيفِ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْإِمَامِ، وَمَا لَا يَتَأَتَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَكَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ، فَهُوَ وَاجِبٌ، فَلَزِمَ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ نَصْبِ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: قَوْلُهُ نَكالًا مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أُقِيمَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَافِ وَالْإِهَانَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِلِاسْتِخْفَافِ وَالذَّمِّ وَالْإِهَانَةِ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ مُسْتَحِقًّا لِلْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ، لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ على أن عقاب الكبير يُحْبِطُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَا قَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الْكَثِيرَةَ فِي بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِالْإِحْبَاطِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى الْبَقَرَةِ: 264 فَلَا نُعِيدُهَا هاهنا.
ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْحَدِّ وَاقِعًا عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ، فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ مِنَ اللَّه تَعَالَى لَزِمَ الْقَطْعُ بِأَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ لَا تَكُونُ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ، بَلْ تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ، لَكِنَّا ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الْكَثِيرَةَ عَلَى الْعَفْوِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: قَوْلُهُ جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيلِ أَحْكَامِ اللَّه، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِما كَسَبا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَطْعَ إِنَّمَا وَجَبَ مُعَلَّلًا بِالسَّرِقَةِ.
وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ المائدة: 32 .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ جَزاءً بِما كَسَبا قَالَ الزَّجَّاجُ: جَزَاءً نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ فاقطعوهم