الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْحَلَالُ إِذَا اصْطَادَ صَيْدًا وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَزِمَهُ الْإِرْسَالُ وَإِنْ ذَبَحَهُ حَرُمَ وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه يَحِلُّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ الْمَائِدَةِ: 1 وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ نَهَى عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ حَالَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ الَّذِي اصْطَادَهُ فِي الْحِلِّ، وَالَّذِي اصْطَادَهُ فِي الْحَرَمِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إذا قتل المحرم صيدا وأدى جزاءه، ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا آخَرَ لَزِمَهُ جَزَاءٌ آخَرُ، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يَجِبُ حُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ هُوَ الْقَتْلُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَرَّرَ الْحُكْمُ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْعِلَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِنِسَائِهِ، مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إِلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ.
قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ الْقَتْلَ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ، فَيَلْزَمُ تَكَرُّرُ الْحُكْمِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْعِلَّةِ. أَمَّا هَاهُنَا: دُخُولُ الدَّارِ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَلْزَمْ تَكَرُّرُ الْحُكْمِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الشَّرْطِ. حُجَّةُ دَاوُدَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ جَعَلَ جَزَاءَ الْعَائِدِ الِانْتِقَامَ لَا الْكَفَّارَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: إِذَا أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ أَوْ مَكْسُورَ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ فَدَاهُ بِمِثْلِهِ، وَالصَّحِيحُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَعَلَى هَذَا الْكَبِيرُ أَوْلَى مِنَ الصَّغِيرِ، وَيُفْدَى الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُغَيَّرَ، لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ إِيجَابُ الْمِثْلِ، وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنَ الذَّكَرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَلِدُ، فَالذَّكَرُ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ وَصُورَتَهُ أَحْسَنُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ يَحْكُمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ رَجُلَانِ صَالِحَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ فَقِيهَانِ عَدْلَانِ فَيَنْظُرَانِ إِلَى أشبه الأشباه بِهِ مِنَ النَّعَمِ فَيَحْكُمَانِ بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه فِي إِيجَابِ الْقِيمَةِ، فَقَالَ: التَّقْوِيمُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْخِلْقَةُ وَالصُّورَةُ، فَظَاهِرَةٌ مُشَاهَدَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الِاجْتِهَادِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ وُجُوهَ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ النَّعَمِ وَبَيْنَ الصَّيْدِ مُخْتَلِفَةٌ وَكَثِيرَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي تَمْيِيزِ الْأَقْوَى مِنَ الْأَضْعَفِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا، أَنَّهُ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ مِنَ الصَّيْدِ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَتَيْتُكَ أَسْأَلُكَ، وَأَنْتَ تَسْأَلُ غَيْرَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فَشَاوَرْتُ صَاحِبِي، فَإِذَا اتَّفَقْنَا عَلَى شَيْءٍ أَمَرْنَاكَ بِهِ، وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ: أَنَّهُ حِينَ كَانَ مُحْرِمًا ضَرَبَ ظَبْيًا فَمَاتَ، فَسَأَلَ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عَنْهُ، وَكَانَ بِجَنْبِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا تَرَى؟ قَالَ: عَلَيْهِ شَاةٌ. قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاهْدِ شَاةً. قَالَ قَبِيصَةُ: فَخَرَجْتُ إِلَى صَاحِبِي وَقُلْتُ لَهُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ. قَالَ: ففاجأني عُمَرُ وَعَلَانِي بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: