المسألة الثانية فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ أَمَّا شَرْحُ الصَّدْرِ فَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ فَانْشَرَحَ أَيْ وَسَّعَ صدره لقبول ذلك الأمر فتوسع. وأقول إِنِ اللَّيْثَ فَسَّرَ شَرْحَ الصَّدْرِ بِتَوْسِيعِ الصَّدْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ/ يُوَسِّعَ صَدْرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِ تَوْسِيعِ الصَّدْرِ فَنَقُولُ تَحْقِيقُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا بَأْسَ بِإِعَادَتِهِ فَنَقُولُ إِذَا اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ أَنَّ نَفْعَهُ زَائِدٌ وَخَيْرَهُ رَاجِحٌ مَالَ طَبْعُهُ إِلَيْهِ وَقَوِيَتْ رَغْبَتُهُ فِي حُصُولِهِ وَحَصَلَ فِي الْقَلْبِ اسْتِعْدَادٌ شَدِيدٌ لِتَحْصِيلِهِ فَتُسَمَّى هَذِهِ الْحَالَةُ بِسِعَةِ النَّفْسِ وَإِذَا اعْتَقَدَ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ أَنَّ شَرَّهُ زَائِدٌ وَضَرَرَهُ رَاجِحٌ عَظُمَتِ النَّفْرَةُ عَنْهُ وَحَصَلَ فِي الطَّبْعِ نَفْرَةٌ وَنَبْوَةٌ عَنْ قَبُولِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّرِيقَ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا لَمْ يَتَمَكَّنِ الدَّاخِلُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ وَإِذَا كَانَ وَاسِعًا قَدَرَ الدَّاخِلُ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ فَإِذَا حَصَلَ اعْتِقَادٌ أَنَّ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ زَائِدُ النَّفْعِ وَالْخَيْرِ وَحَصَلَ الْمَيْلُ إِلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ الْمَيْلُ فِي ذَلِكَ الْقَلْبِ فَقِيلَ اتَّسَعَ الصَّدْرُ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ اعْتِقَادٌ أَنَّهُ زَائِدُ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ لَمْ يَحْصُلْ فِي الْقَلْبِ مَيْلٌ إِلَيْهِ فَقِيلَ إِنَّهُ ضَيِّقٌ فَقَدْ صَارَ الصَّدْرُ شَبِيهًا بِالطَّرِيقِ الضَّيِّقِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ فِيهِ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي سِعَةِ الصَّدْرِ وَضِيقِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الشَّرْحِ يُقَالُ شَرَحَ فُلَانٌ أَمْرَهُ إِذَا أَظْهَرَهُ وَأَوْضَحَهُ وَشَرَحَ الْمَسْأَلَةَ إِذَا كَانَتْ مُشْكِلَةً فَبَيَّنَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الشَّرْحِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْجَانِبِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ الزُّمَرِ 22 وَفِي الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً النَّحْلِ 106
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَهُ كَيْفَ يَشْرَحُ اللَّهُ صَدْرَهُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَقْذِفُ فِيهِ نُورًا حَتَّى يَنْفَسِحَ وَيَنْشَرِحَ» فَقِيلَ لَهُ وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ»
وَأَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ شَرْحِ اللَّهِ الصَّدْرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَصَوَّرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ زَائِدُ النَّفْعِ وَالْخَيْرِ وَأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا زَائِدُ الضَّرَرِ وَالشَّرِّ فَإِذَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ إِمَّا بِالْبُرْهَانِ أَوْ بِالتَّجْرِبَةِ أَوِ التَّقْلِيدِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى حُصُولِ هَذَا الِاعْتِقَادِ حُصُولُ الرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِنَابَةِ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالنَّفْرَةِ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَأَمَّا الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي النَّفْرَةَ عَنِ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةَ فِي الْآخِرَةِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ الدَّاعِي إِلَى الْفِعْلِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَحْصُلَ قَبْلَ حُصُولِ الْفِعْلِ وَشَرْحُ الصَّدْرِ لِلْإِيمَانِ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولِ الدَّاعِي إِلَى الْإِيمَانِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشْعَرَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حُصُولِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَانِبِ الْكُفْرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً فَفِيهِ مَبَاحِثُ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ضَيْقًا سَاكِنَةَ الْيَاءِ وَكَذَا فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ مَكْسُورَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَدَّدُ وَالْمُخَفَّفُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَسَيِّدٍ وَسَيْدٍ وَهَيِّنٍ وَهَيْنٍ وَلَيِّنٍ وَلَيْنٍ وَمَيِّتٍ وَمَيْتٍ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ حَرِجًا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ فِي كَسْرِهِ وَنَصْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَجَلِ وَالْوَجِلِ وَالْقَرَدِ وَالْقَرِدِ وَالدَّنَفِ وَالدَّنِفِ قَالَ الزَّجَّاجُ الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ أَضْيَقُ الضِّيقِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ضَيِّقٌ جِدًّا