بَنَاتُ اللَّهِ وَبَعْضُهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فَهَذَا مَعْنَى فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا أَيْ فِرَقًا وَأَحْزَابًا فِي الضَّلَالَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَارَى تَفَرَّقُوا فِرَقًا وَكَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَهُمْ أَهْلُ/ كِتَابٍ وَاحِدٍ وَالْيَهُودُ تُكَفِّرُ النَّصَارَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ أَخَذُوا بِبَعْضٍ وَتَرَكُوا بَعْضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ الْبَقَرَةِ: 85 وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ النساء: 150 .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالشُّبَهَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ وَلَا يَبْتَدِعُوا الْبِدَعَ وَقَوْلُهُ:
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْتَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَهُمْ مِنْكَ بُرَآءُ وَتَأْوِيلُهُ: إِنَّكَ بَعِيدٌ عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَالْعِقَابُ اللَّازِمُ عَلَى تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ. وَالثَّانِي: لَسْتَ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي شَيْءٍ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُونَ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ فَلَمَّا أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ نُسِخَ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَسْتَ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي شيء فورد الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ النَّسْخَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ أَيْ فِيمَا يَتَّصِلُ بِالْإِمْهَالِ وَالْإِنْظَارِ وَالِاسْتِئْصَالِ وَالْإِهْلَاكِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَالْمُرَادُ الْوَعِيدُ.
سورة الأنعام (6) : آية 160مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَسَنَةُ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالسَّيِّئَةُ هِيَ الشِّرْكُ وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْعُمُومِ إِمَّا تَمَسُّكًا بِاللَّفْظِ وَإِمَّا لِأَجْلِ أَنَّهُ حُكْمٌ مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لَهُ فَيَقْتَضِي كَوْنَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حُذِفَتِ الْهَاءُ مِنْ عَشْرٍ وَالْأَمْثَالُ جَمْعُ مِثْلٍ وَالْمِثْلُ مُذَكَّرٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا ثُمَّ حُذِفَتِ الْحَسَنَاتُ وَأُقِيمَتِ الْأَمْثَالُ الَّتِي هِيَ صِفَتُهَا مَقَامَهَا وَحَذْفُ الْمَوْصُوفِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ عَشْرٌ أَمْثَالُهَا بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الثَّوَابَ تَفَضَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الثَّوَابِ وَالتَّفَضُّلِ بِأَنَّ الثواب هو المنفعة المستحقة/ والتفضيل هُوَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا تَكُونُ مُسْتَحَقَّةً ثُمَّ انهم على تقريع مَذَاهِبِهِمُ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْعَشَرَةُ تَفَضُّلٌ وَالثَّوَابُ غَيْرُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُبَّائِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاحِدُ ثَوَابًا وَكَانَتِ التِّسْعَةُ تَفَضُّلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ دُونَ التَّفَضُّلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ التَّفَضُّلُ مُسَاوِيًا لِلثَّوَابِ فِي الْكَثْرَةِ وَالشَّرَفِ لَمْ يَبْقَ فِي التَّكْلِيفِ فَائِدَةٌ أَصْلًا فَيَصِيرُ عَبَثًا وَقَبِيحًا وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الثَّوَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِي الْقَدْرِ وَفِي التَّعْظِيمِ مِنَ التَّفَضُّلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْ هَذِهِ التِّسْعَةِ ثَوَابًا وَتَكُونَ التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ تَفَضُّلًا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ يَكُونُ أَوْفَرَ وَأَعْظَمَ وَأَعْلَى شَأْنًا مِنَ التسعة الباقية.