عَلَى أَعْظَمِ الْوُجُوهِ لِإِبْلِيسَ؟ وَإِنْ لَمْ تُوجِبِ الشَّرَفَ الْعَظِيمَ فَكَيْفَ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ التَّشْرِيفِ الْكَامِلِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَى لِسَانِ مَنْ يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ؟ وَلَمْ يُسَلَّمْ أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة. قَالُوا: لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُخَاطِبُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ مَعَ إِبْلِيسَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُ: فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ وَتَكَلَّمَ مَعَ مُوسَى وَمَعَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ طه: 13 وَقَالَ لَهُ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي طه: 41 وَهَذَا نِهَايَةُ الْإِكْرَامِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاهْبِطْ مِنْها قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَكَانُوا فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَفِيهَا خُلِقَ آدَمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: إِنَّهُ إِنَّمَا أُمِرَ بِالْهُبُوطِ مِنَ السَّمَاءِ وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها أَيْ فِي السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يريد ان اهل السموات مَلَائِكَةٌ مُتَوَاضِعُونَ خَاشِعُونَ فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ وَالصَّغَارُ الذِّلَّةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ إِبْلِيسَ طَلَبَ التَّكَبُّرَ فَابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ تَنْبِيهًا عَلَى صِحَّةِ مَا
قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا أَظْهَرَ الاستكبار البس الصغار. والله اعلم.
سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 17قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17)
قَوْلُهُ تَعَالَى قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ إلى قوله صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ الْإِنْظَارَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى وَقْتِ الْبَعْثِ وَهُوَ وَقْتُ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا يَذُوقُ الْمَوْتَ فَلَمْ يُعْطِهِ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بل قال انك من المنظرين ثم هاهنا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَنْظَرَهُ إِلَى النَّفْخَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ الْحِجْرِ: 37 38 وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْيَوْمُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ الْأَحْيَاءُ كُلُّهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يُوَقِّتِ اللَّهُ لَهُ أَجَلًا بَلْ قَالَ: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وقوله في الاخرى: إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مُكَلَّفًا وَالْمُكَلَّفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ أَجَلَهُ إِلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُكَلَّفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ وَقْتَ مَوْتِهِ هُوَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ أَقْدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِقَلْبٍ فَارِغٍ فَإِذَا قَرُبَ وَقْتُ أَجَلِهِ تَابَ عَنْ تِلْكَ الْمَعَاصِي فَثَبَتَ أَنَّ تَعْرِيفَ وَقْتِ الْمَوْتِ بِعَيْنِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْإِغْرَاءِ بِالْقَبِيحِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ: بِأَنَّ تَعْرِيفَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنَهُ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَقْتَضِي إِغْرَاءَهُ بِالْقَبِيحِ لِأَنَّهُ