ثُمَّ قَالَ: وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيَّنَ الْعَدَاوَةَ حَيْثُ أَبَى السُّجُودَ وَقَالَ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ الأعراف: 16 .
سورة الأعراف (7) : آية 23قَالَا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُفَسَّرَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صُدُورِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: هَذَا الذَّنْبُ إِنَّمَا صَدَرَ عَنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالسُّؤَالُ زائل.
سورة الأعراف (7) : الآيات 24 الى 25قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هُوَ آدَمُ وَحَوَّاءُ وَإِبْلِيسُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ: اهْبِطُوا يَجِبُ أَنْ يَتَنَاوَلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يَعْنِي الْعَدَاوَةُ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَا تَزُولُ الْبَتَّةَ وَقَوْلُهُ: فِيها تَحْيَوْنَ الْكِنَايَةُ عَائِدَةٌ إِلَى الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ فِي الْأَرْضِ تَعِيشُونَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ إِلَى الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ تَخْرُجُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَكَذَلِكَ فِي الروم والزخرف والجاثية وقرا ابن عامر هاهنا وَفِي الزُّخْرُفِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَفِي الرُّومِ وَالْجَاثِيَةِ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْبَاقُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِضَمِّ التَّاءِ.
سورة الأعراف (7) : آية 26يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
فِي نَظْمِ الْآيَةِ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِالْهُبُوطِ إِلَى الْأَرْضِ وَجَعَلَ الْأَرْضَ لَهُمَا مُسْتَقَرًّا بَيَّنَ بَعْدَهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا اللِّبَاسُ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَاقِعَةَ آدَمَ فِي انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَخْصِفُ الْوَرَقَ عَلَيْهَا أَتْبَعَهُ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ اللِّبَاسَ لِلْخَلْقِ لِيَسْتُرُوا بِهَا عَوْرَتَهُمْ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَقْدَرَهُمْ عَلَى التَّسَتُّرِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى إِنْزَالِ اللِّبَاسِ؟
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الْمَطَرَ وَبِالْمَطَرِ تَتَكَوَّنُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ اللِّبَاسُ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ اللِّبَاسَ وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْأَرْضِ لَمَّا كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالْأُمُورِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ صَارَ كَأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهَا مِنَ السَّمَاءِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الزُّمَرِ: 6 وَقَوْلُهُ: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الْحَدِيدِ: 25 وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرِيشاً فَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: الرِّيشُ لِبَاسُ الزِّينَةِ اسْتُعِيرَ مِنْ رِيشِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ لِبَاسُهُ وَزِينَتُهُ أَيْ أَنْزَلَنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَيْنِ