ان الموقوف على المحال وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمُ الْجَنَّةَ مَأْيُوسًا مِنْهُ قَطْعًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْجَمَلُ بِوَزْنِ الْقُمَّلِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْجَمَلُ بِوَزْنِ النُّغَرِ. وَقُرِئَ الْجَمَلُ بِوَزْنِ القفل والْجَمَلُ بوزن النصب والْجَمَلُ بِوَزْنِ الْحَبْلِ وَمَعْنَاهَا: الْقَلْسُ الْغَلِيظُ لِأَنَّهُ حِبَالٌ جُمِعَتْ وَجُعِلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنُ تَشْبِيهًا مِنْ أَنْ يُشَبِّهَ بِالْجَمَلِ يَعْنِي: أَنَّ الْحَبْلَ مُنَاسِبٌ لِلْخَيْطِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي سَمِّ الْإِبْرَةِ وَالْبَعِيرُ لَا يُنَاسِبُهُ إِلَّا أَنَّا ذَكَرْنَا الْفَائِدَةَ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَائِلُونَ بِالتَّنَاسُخِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إِنِ الْأَرْوَاحَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَجْسَادِ الْبَشَرِ لَمَّا عَصَتْ وَأَذْنَبَتْ فَإِنَّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبْدَانِ تُرَدُّ مِنْ بَدَنٍ إِلَى بَدَنٍ وَلَا تَزَالُ تَبْقَى فِي التَّعْذِيبِ حَتَّى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنْ بَدَنِ الْجَمَلِ إِلَى بَدَنِ الدُّودَةِ الَّتِي تَنْفُذُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ مُطَهَّرَةً عَنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَتَصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّنَاسُخِ بَاطِلٌ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أَيْ وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ والمجرمون والله اعلم هاهنا هُمُ الْكَافِرُونَ لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ صِفَتِهِمْ هُوَ التَّكْذِيبُ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالِاسْتِكْبَارُ عَنْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ بَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَقَالَ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: «الْمِهَادُ» جَمْعُ مَهْدٍ وَهُوَ الْفِرَاشُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَصْلُ الْمَهْدِ فِي اللُّغَةِ الْفَرْشُ يُقَالُ لِلْفِرَاشِ مِهَادٌ لِمُوَاتَاتِهِ وَالْغَوَاشِي جُمَعُ غَاشِيَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يَغْشَاكَ أَيْ يُجَلِّلُكَ وَجَهَنَّمُ لَا تَنْصَرِفُ لِاجْتِمَاعِ التَّأْنِيثِ فِيهَا وَالتَّعْرِيفِ وَقِيلَ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الْجَهْمَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ يُقَالُ: / رَجُلٌ جَهْمُ الْوَجْهِ غَلِيظُهُ وَسُمِّيَتْ بِهَذَا لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ إِحَاطَةِ النَّارِ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَهُمْ مِنْهَا غِطَاءٌ وَوِطَاءٌ وَفِرَاشٌ وَلِحَافٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ غَوَاشٍ عَلَى وَزْنِ فَوَاعِلَ فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ فَكَيْفَ دَخَلَهُ التَّنْوِينُ؟
وَجَوَابُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ هَذَا جَمْعٌ وَالْجَمْعُ أَثْقَلُ مِنَ الْوَاحِدِ وَهُوَ أَيْضًا الْجَمْعُ الْأَكْبَرُ الَّذِي تَتَنَاهَى الْجُمُوعُ إِلَيْهِ فَزَادَهُ ذَلِكَ ثِقَلًا ثُمَّ وَقَعَتِ الْيَاءُ فِي آخِرِهِ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَفَّفُوهَا بِحَذْفِ يَائِهِ فَلَمَّا حُذِفَتِ الْيَاءُ نَقَصَ عَنْ مِثَالِ فَوَاعِلَ وَصَارَ غَوَاشٍ بِوَزْنِ جَنَاحٍ فَدَخَلَهُ التَّنْوِينُ لِنُقْصَانِهِ عَنْ هَذَا الْمِثَالِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالظَّالِمُونَ هاهنا هم الكافرون.
سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
في قَوْلَهُ تَعَالَى لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا اسْتَوْفَى الْكَلَامَ فِي الْوَعِيدِ أَتْبَعَهُ بِالْوَعْدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ: