لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما
الْفُرْقَانِ:
58 59 وَقَالَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ق: 38 .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى خلق السموات وَالْأَرْضَ فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ:
لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا مَرْيَمَ: 62 وَالْمُرَادُ عَلَى مِقْدَارِ الْبُكْرَةِ وَالْعَشِيِّ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ ثَمَّ وَلَا نَهَارَ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّادِسُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ الْقَمَرِ: 50 مَحْمُولٌ عَلَى إِيجَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّوَاتِ وَعَلَى إِعْدَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِأَنَّ إِيجَادَ الذَّاتِ الْوَاحِدَةِ وَإِعْدَامَ الْمَوْجُودِ الْوَاحِدِ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إِلَّا دُفْعَةً وَاحِدَةً وَأَمَّا الْإِمْهَالُ وَالْمُدَّةُ فَذَاكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي الْمُدَّةِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ: وَهُوَ تَقْدِيرُ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ فَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَحْدَثَهُ فِي مِقْدَارٍ آخَرَ مِنَ الزَّمَانِ لَعَادَ ذَلِكَ السُّؤَالُ وَأَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ لِعَدَدِ السَّبْعَةِ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالُوا: فَالْأَيَّامُ السِّتَّةُ فِي تَخْلِيقِ الْعَالَمِ وَالْيَوْمُ السَّابِعُ فِي حُصُولِ كَمَالِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ حَصَلَ الْكَمَالُ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ انْتَهَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعُقَلَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُرَبِّيكُمْ وَيُصْلِحُ شَأْنَكُمْ وَيُوَصِّلُ إِلَيْكُمُ الْخَيْرَاتِ وَيَدْفَعُ عَنْكُمُ الْمَكْرُوهَاتِ/ هُوَ الَّذِي بَلَغَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ إِلَى حَيْثُ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْعَظِيمَةَ وَأَوْدَعَ فِيهَا أَصْنَافَ الْمَنَافِعِ وَأَنْوَاعَ الْخَيْرَاتِ وَمَنْ كَانَ لَهُ مُرَبٍّ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى غَيْرِهِ فِي طَلَبِ الْخَيْرَاتِ أَوْ يُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِهِ فِي تَحْصِيلِ السَّعَادَاتِ؟ ثُمَّ فِي الْآيَةِ دَقِيقَةٌ أُخْرَى فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْتُمْ عَبِيدُهُ بَلْ قَالَ هُوَ رَبُّكُمْ وَدَقِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَسَبَ نَفْسَهُ إِلَيْنَا سَمَّى نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالرَّبِّ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِالتَّرْبِيَةِ وَكَثْرَةِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ كَانَ لَهُ مُرَبٍّ مَعَ كَثْرَةِ هَذِهِ الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ؟
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنَهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وُجُوهٌ عَقْلِيَّةٌ وَوُجُوهٌ نَقْلِيَّةٌ. أَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فَأُمُورٌ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ لَكَانَ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْعَرْشَ مُتَنَاهِيًا وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ الْعَرْشِ دَاخِلًا فِي ذَاتِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَنَاهِيًا فَإِنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَصِيرَ أَزْيَدَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ بِذَرَّةٍ وَالْعِلْمُ بِهَذَا الْجَوَازِ ضَرُورِيٌّ فَلَوْ كَانَ الْبَارِي تَعَالَى مُتَنَاهِيًا مِنْ بَعْضِ الْجَوَانِبِ لَكَانَتْ ذَاتُهُ قَابِلَةٌ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ وَتَقْدِيرِ مُقَدِّرٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحْدَثٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ عَلَى الْعَرْشِ لَكَانَ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْعَرْشَ مُتَنَاهِيًا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُحْدَثًا وَهَذَا مُحَالٌ فَكَوْنُهُ عَلَى الْعَرْشِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحَالًا. وَثَانِيهَا: لَوْ كَانَ فِي مَكَانٍ وَجِهَةٍ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَنَاهٍ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا فِي كُلِّ الْجِهَاتِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ دُونَ الْبَعْضِ وَالْكُلُّ بَاطِلٌ فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ بَاطِلٌ قَطْعًا.
بَيَانُ فَسَادِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مُخَالِطَةً لِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ السُّفْلِيَّةِ وَالْعُلْوِيَّةِ وَأَنْ تَكُونَ