ثُمَّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فِي الْقِيَاسِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا شِعْرٌ لَا نَعْرِفُ قَائِلَهُ وَلَوْ قَالَهُ شَاعِرٌ مَذْكُورٌ لَقِيلَ لَهُ أَخْطَأْتَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَرْجِهْ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْإِرْجَاءُ التَّأْخِيرُ فَقَوْلُهُ: أَرْجِهْ أَيْ أَخِّرْهُ وَمَعْنَى أَخِّرْهُ: أَيْ أَخِّرْ أَمْرَهُ وَلَا تَعْجَلْ فِي أَمْرِهِ بِحُكْمٍ فَتَصِيرَ عَجَلَتُكَ حُجَّةً عَلَيْكَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ حَاوَلُوا مُعَارَضَةَ مُعْجِزَتِهِ بِسِحْرِهِمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْوَى فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قول الكلبي وقتادة أَرْجِهْ احسبه. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّأْخِيرُ لَا الْحَبْسُ، وَالثَّانِي: أَنَّ فِرْعَوْنَ مَا كَانَ قَادِرًا/ عَلَى حَبْسِ مُوسَى بَعْدَ مَا شَاهَدَ حَالَ الْعَصَا.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا كَثِيرِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ مَعْرِفَةَ الْمُعَارَضَةِ وَأَنَّهَا إِذَا أَمْكَنَتْ فَلَا نُبُوَّةَ وَإِذَا تَعَذَّرَتْ فَقَدْ صَحَّتِ النُّبُوَّةُ وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ السِّحْرَ مَا هُوَ وَهَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا بَلْ هُوَ مَحْضُ التَّمْوِيهِ فَقَدْ سَبَقَ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيِّ: أَنَّهُ قَالَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا فَعِيلَةٌ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَدَنَ بِالْمَكَانِ يَمْدُنُ مُدُونًا إِذَا أَقَامَ بِهِ وَهَذَا الْقَائِلُ يَسْتَدِلُّ بِإِطْبَاقِ الْقُرَّاءِ عَلَى همزه الْمَدَائِنِ وَهِيَ فَعَائِلُ كَصَحَائِفَ وَصَحِيفَةٍ وَسَفَائِنَ وَسَفِينَةٍ وَالْيَاءُ إِذَا كَانَتْ زَائِدَةً فِي الْوَاحِدِ هُمِزَتْ فِي الْجَمْعِ كَقَبَائِلَ وَقَبِيلَةٍ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ لَمْ تُهْمَزْ فِي الْجَمْعِ نَحْوَ مَعَايِشَ وَمَعِيشَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَفْعِلَةٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَعْنَى الْمَدِينَةِ الْمَمْلُوكَةُ مِنْ دَانَهُ يَدِينُهُ فَقَوْلُنَا مَدِينَةٌ مِنْ دَانَ مِثْلُ مَعِيشَةٍ مِنْ عَاشَ وَجَمْعُهَا مَدَايِنُ عَلَى مَفَاعِلَ كَمَعَايِشَ غير مهموز ويكون اسما لمكان وَالْأَرْضِ الَّتِي دَانَهُمُ السُّلْطَانَ فِيهَا أَيْ سَاسَهُمْ وَقَهَرَهُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُبَرِّدُ مَدِينَةٌ أَصْلُهَا مديونة من دانه إذا قهره وساسه فاستقلوا حَرَكَةَ الضَّمَّةِ عَلَى الْيَاءِ فَسَكَّنُوهَا وَنَقَلُوا حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا وَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْوَاوُ الْمَزِيدَةُ الَّتِي هِيَ وَاوُ الْمَفْعُولِ وَالْيَاءُ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ وَحَذْفُ الزَّائِدِ أَوْلَى مِنْ حَذْفِ الْحَرْفِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ كَسَرُوا الدَّالَ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ فَلَا تَنْقَلِبُ وَاوًا لِانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا فَيَخْتَلِطُ ذَوَاتُ الْوَاوِ بِذَوَاتِ الْيَاءِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَخِيطِ وَالْمَكِيلِ ثُمَّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَعِيلَةٌ لِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى هَمْزِ الْمَدَائِنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يُرِيدُ وَأَرْسِلْ فِي مَدَائِنِ صَعِيدِ مِصْرَ رِجَالًا يَحْشُرُوا إِلَيْكَ مَا فِيهَا مِنَ السَّحَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ رُؤَسَاءُ السَّحَرَةِ بِأَقْصَى مَدَائِنِ الصَّعِيدِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ سَاحِرًا سِوَى رَئِيسِهِمْ وَكَانَ الَّذِي يُعَلِّمُهُمْ رَجُلًا مَجُوسِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى بَلْدَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْمَوْصِلِ. وَأَقُولُ هَذَا النَّقْلُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَتْبَاعُ زَرَادِشْتَ وَزَرَادِشْتُ إِنَّمَا جَاءَ بعد