قَدِيمًا، لِأَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لَهُ مَدْلُولٌ وَمَفْهُومٌ، وَكَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا كَانَ عَامَّ التَّعَلُّقِ بِجَمِيعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَدْلُولَاتِ ذَلِكَ الْكِتَابِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَبَيْنَ سَائِرِ كُتُبِ الْفُحْشِ وَالْهَجْوِ فِي كَوْنِهِ قَدِيمًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ قَدِيمًا وَجْهًا آخَرَ سِوَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نَلْتَزِمُ كَوْنَ كَلَامِهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ.
وَاعْلَمْ أَنَّا لَا نَقُولُ: إِنَّ كَلَامَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ لِكَوْنِهَا كَذِبًا، وَالْكَذِبُ فِي كَلَامِ اللَّهِ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ أَنْ أَقْوَامًا أَخْبَرُوا عَنْ تِلْكَ الْأَكَاذِيبِ وَالْفُحْشِيَّاتِ فَهَذَا لَا يَكُونُ كَذِبًا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ الْفُحْشِيَّاتِ وَالسَّخَفِيَّاتِ يَجْرِي مَجْرَى النَّقْصِ، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَبَاحِثَ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ وَتَشْرِيحِ الْعَضَلَاتِ الْفَاعِلَاتِ لِلْحُرُوفِ وَذِكْرِ الْإِشْكَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِدَمِ الْقُرْآنِ أُمُورٌ صَعْبَةٌ دَقِيقَةٌ، فَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، وَفِيهِ مَسَائِلُالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ الْكَلِمَةِ إِلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ يُمْكِنُ إِيرَادُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَلِمَةَ إِمَّا أَنْ يَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَبِهَا، وَهِيَ الِاسْمُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا، لَكِنْ يَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِهَا، وَهِيَ الْفِعْلُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَلَا بِهَا، وَهُوَ/ الْحَرْفُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَرْفَ وَالْفِعْلَ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُمَا، وَعَلَى أَنَّ الِاسْمَ يَصِحُّ الأخبار عنه، فلنذكر البحثين في مسألتين.
الكلمة اسم وفعل وحرف:
المسألة الثانية الكلمة اسم وفعل وحرف : اتَّفَقَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَالْحَرْفَ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُمَا، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ضَرَبَ قَتَلَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ المثال الواحد لا يكفي في إثبات الحكم الْعَامِّ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ:
جِدَارٌ سَمَاءٌ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ وَبِهِ، لِأَجْلِ أَنَّ الْمِثَالَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي فِي إِثْبَاتِ الحكم العام، فكذا هاهنا، ثُمَّ قِيلَ، الَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّا إِذَا أَخْبَرَنَا عَنْ «ضَرَبَ يَضْرِبُ اضْرِبْ» بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ كَذِبًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ الْفِعْلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِعْلٌ مُخْبَرًا عَنْهُ، فَإِنْ قَالُوا: المخبر عنه بهذا الخبر هُوَ هَذِهِ الصِّيَغُ، وَهِيَ أَسْمَاءٌ قُلْنَا: هَذَا السُّؤَالُ رَكِيكٌ، لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِعْلٌ اسْمًا، فَرَجَعَ حَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ إِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ، الثَّانِي: إِذَا أَخْبَرْنَا عَنِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْمٍ فَالتَّقْدِيرُ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ، الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَنَا: «الْفِعْلُ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ» إِخْبَارٌ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ، وَذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنْ قَالُوا: الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ هُوَ هَذَا اللَّفْظُ، فَنَقُولُ: قَدْ أَجَبْنَا عَلَى هَذَا السُّؤَالِ، فَإِنَّا نَقُولُ: الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ إِنْ كَانَ اسْمًا فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مُخْبَرٌ عَنْهُ، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ اسْمٌ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا فَقَدْ صَارَ الْفِعْلُ مُخْبَرًا عَنْهُ.
الرَّابِعُ: الْفِعْلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ وَالْحَرْفُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَرْفٌ مَاهِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَمَّا عَدَاهَا، وَكُلُّ مَا كَانَ