الْكَذَّابُ لَقَّبَ نَفْسَهُ بِالرَّحْمَنِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُسَمُّوا اللَّه بِمَا لَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِهِ، مِثْلَ تَسْمِيَةِ مَنْ سَمَّاهُ- أَبًا- لِلْمَسِيحِ. وَقَوْلُ جُمْهُورِ النَّصَارَى: أَبٌ، وَابْنٌ، وَرُوحُ الْقُدُسِ، وَمِثْلَ أَنَّ الْكَرَّامِيَّةَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ عَلَى اللَّه سُبْحَانَهُ وَيُسَمُّونَهُ بِهِ، وَمِثْلَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَدْ يَقُولُونَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمْ، لَوْ فَعَلَ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا لَكَانَ سَفِيهًا مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُشْعِرَةٌ بِسُوءِ الْأَدَبِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَيْسَ كُلُّ مَا صَحَّ مَعْنَاهُ جَازَ إِطْلَاقُهُ بِاللَّفْظِ فِي حَقِّ اللَّه، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَا خَالِقَ الدِّيدَانِ وَالْقُرُودِ وَالْقِرْدَانِ، بل الواجب تنزيه اللَّه عن مثل هذا الأذكار، وأن يقال: يا خالق الأرض والسموات يَا مُقِيلَ الْعَثَرَاتِ يَا رَاحِمَ الْعَبَرَاتِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَذْكَارِ الْجَمِيلَةِ الشَّرِيفَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ بِلَفْظٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ وَلَا يَتَصَوَّرُ مُسَمَّاهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُسَمَّاهُ أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ بِجَلَالِ/ اللَّه، فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْإِلْحَادُ فِي الْأَسْمَاءِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ الْأَوَّلِ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَى اللَّه تَعَالَى أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؟
قُلْنَا: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لا فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَلَا فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ لَفْظَ «عَلَّمَ» وَرَدَ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْهَا قوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة: 31 عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
النِّسَاءِ: 113 وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً الْكَهْفِ: 65 الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ الرَّحْمَنِ: 1، 2 ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى يَا مُعَلِّمُ، وَأَيْضًا وَرَدَ قَوْلُهُ: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ الْمَائِدَةِ: 54 ثُمَّ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ يَا مُحِبُّ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي حَقِّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه: 121 ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ آدَمَ كَانَ عَاصِيًا غَاوِيًا، وَوَرَدَ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَيْهِ السلام: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ طه: 26 ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَجِيرًا، وَالضَّابِطُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمُوهِمَةَ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى الْوَارِدِ، فَأَمَّا التَّوَسُّعُ بِإِطْلَاقِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْهَا فَهِيَ عِنْدِي مَمْنُوعَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ فَهُوَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمَنْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَاءِ اللَّه. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ:
الْآيَةُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى إِثْبَاتِ الْعَمَلِ لِلْعَبْدِ، وَعَلَى أن الجزاء مفرع على عمله وفعله.
سورة الأعراف (7) : آية 181وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
اعلم أنه تعالى لما قال: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الأعراف: 179 فَأَخْبَرَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الثَّقَلَيْنِ مَخْلُوقُونَ لِلنَّارِ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ لِيُبَيِّنَ أَيْضًا أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلْجَنَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي قِصَّةِ مُوسَى قَوْلَهُ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ الْأَعْرَافِ: 159 فَلَمَّا أَعَادَ اللَّه تعالى هذا الكلام هاهنا حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ قوم محمد صَلَّى الله عليه وسلّم،
روى قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «هَذِهِ فِيهِمْ وَقَدْ أَعْطَى اللَّه قَوْمَ مُوسَى مِثْلَهَا»
وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ.
قَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَانٌ الْبَتَّةَ عَمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَهْدِي إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ عَلَى الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ زَمَانَ وُجُودِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، / وهو