إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَنُفَاةُ الْقِيَاسِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي إِبْطَالِ هذين الأصلين وقد سبق الكلام فيه.
سورة يونس (10) : الآيات 69 الى 70قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ بِالدَّلِيلِ الْقَاهِرِ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَلَدِ للَّه تَعَالَى قَوْلٌ بَاطِلٌ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْقَائِلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّه وَنَسَبُهُ لِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَيْهِ، فَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ أَلْبَتَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُؤْمِنُونَ: 1 وَقَالَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ الْمُؤْمِنُونَ: 117 .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ يَدْخُلُ فِيهِ هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي ذَاتِ اللَّه تَعَالَى وَفِي صِفَاتِهِ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبِغَيْرِ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ كَانَ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ، ومعنى قوله: لا يُفْلِحُونَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة: 5 وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَلَاحُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَالْمَطْلُوبِ، فَمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُفْلِحُ هُوَ أَنَّهُ لَا يَنْجَحُ فِي سَعْيِهِ وَلَا يَفُوزُ بِمَطْلُوبِهِ بَلْ خَابَ وَخَسِرَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا فَازَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَطَالِبِ الْعَاجِلَةِ وَالْمَقَاصِدِ الْخَسِيسَةِ، ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ فَازَ بِالْمَقْصِدِ الْأَقْصَى، واللَّه سُبْحَانَهُ أَزَالَ هَذَا الْخَيَالَ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ الْمَقْصُودَ الْخَسِيسَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ لَا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّه وَعِنْدَ هَذَا الرُّجُوعِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُذِيقَهُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الِانْتِظَامِ وَنِهَايَةِ الْحُسْنِ وَالْجَزَالَةِ. واللَّه أعلم.
سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 72وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)
قَوْلُهُ تَعَالَى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إلى قوله وَلا تُنْظِرُونِ المسألة الأولى اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَالَغَ فِي تَقْرِيرِ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَفِي الْجَوَابِ عَنِ الشُّبَهِ وَالسُّؤَالَاتِ، شَرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيَانِ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا أَطَالَ فِي تَقْرِيرِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ، فَرُبَّمَا حَصَلَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَالَةِ فَإِذَا انْتَقَلَ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ الْفَنِّ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى فَنٍّ آخَرَ، انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَطَابَ قَلْبُهُ وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ رَغْبَةً جَدِيدَةً وَقُوَّةً حَادِثَةً وَمَيْلًا قَوِيًّا. وَثَانِيهَا: لِيَكُونَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِأَصْحَابِهِ أُسْوَةٌ بِمَنْ سَلَفَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ إِذَا سَمِعَ أَنَّ مُعَامَلَةَ هَؤُلَاءِ الكفار مع الكل الرُّسُلِ مَا كَانَتْ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ خَفَّ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ، كَمَا يُقَالُ: الْمُصِيبَةُ إِذَا عَمَّتْ خَفَّتْ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا سَمِعُوا هَذِهِ الْقَصَصَ، وَعَلِمُوا أَنَّ الْجُهَّالَ، وَإِنْ بَالَغُوا فِي إِيذَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعَانَهُمْ بِالْآخِرَةِ وَنَصَرَهُمْ وَأَيَّدَهُمْ وَقَهَرَ أَعْدَاءَهُمْ، كَانَ سَمَاعُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْقَصَصِ سَبَبًا لِانْكِسَارِ قُلُوبِهِمْ، وَوُقُوعِ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ فِي صُدُورِهِمْ، وَحِينَئِذٍ يُقَلِّلُونَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَالسَّفَاهَةِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ محمدا عليه