سُورَةُ يُوسُفَ
مَكِّيَّةٌ، إِلَّا الْآيَاتِ: 1 وَ 2 وَ 3 وَ 7، فَمَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا: 111، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ هُودٍ بسم اللَّه الرحمن الرحيم
سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
في قوله تعالى الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ تَفْسِيرَ: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس: 1 فَقَوْلُهُ: تِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ أَيْ تِلْكَ الْآيَاتُ الَّتِي أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ الر هِيَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا وُصِفَ الْقُرْآنُ بِكَوْنِهِ مُبِينًا لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ وَآيَةٌ بَيِّنَةٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ الْهُدَى وَالرُّشْدَ، وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَلَمَّا بُيِّنَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِيهِ كَانَ الْكِتَابُ مُبِينًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ بُيِّنَتْ فِيهِ قِصَصُ الْأَوَّلِينَ وَشُرِحَتْ فِيهِ أَحْوَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رُوِيَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ قَالُوا لِكُبَرَاءِ الْمُشْرِكِينَ، سَلُوا مُحَمَّدًا لِمَ انْتَقَلَ آلُ يَعْقُوبَ مِنَ الشَّامِ إِلَى مِصْرَ، وَعَنْ كَيْفِيَّةِ قِصَّةِ يُوسُفَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ/ تَعَالَى عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَلْفَاظٍ عَرَبِيَّةٍ، لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ فَهْمِهَا وَيَقْدِرُوا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا. وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ يُوسُفَ فِي حَالِ كَوْنِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَسُمِّيَ بَعْضُ الْقُرْآنِ قُرْآنًا، لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ وَالْبَعْضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مَخْلُوقًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ لَا يَجُوزُ تَنْزِيلُهُ وَإِنْزَالُهُ وَتَحْوِيلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ عَرَبِيًّا وَلَا فَارِسِيًّا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُنْزِلَهُ لَا عَرَبِيًّا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْآيَاتِ وَالْكَلِمَاتِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مُرَكَّبًا كَانَ مُحْدَثًا.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِأَسْرِهَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْعِبَارَاتِ مُحْدَثٌ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ، إِنَّمَا الَّذِي نَدَّعِي قِدَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ فَسَقَطَ هذا الاستدلال.