أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فِي وَقْتِ السَّحَرِ، لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ أَوْفَقُ الْأَوْقَاتِ لِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَخَّرَ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّهَا أَوْفَقُ الْأَوْقَاتِ لِلْإِجَابَةِ. الثَّالِثُ: أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُمْ هَلْ تَابُوا فِي الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا، وَهَلْ حَصَلَتْ تَوْبَتُهُمْ مَقْرُونَةً بِالْإِخْلَاصِ التَّامِّ أَمْ لَا. الرَّابِعُ: اسْتَغْفَرَ لَهُمْ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ مَعْنَاهُ أَنِّي أُدَاوِمُ عَلَى هَذَا الِاسْتِغْفَارِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلَ،
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً،
وَقِيلَ: قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ فَلَمَّا فَرَغَ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَزَعِي عَلَى يُوسُفَ وَقِلَّةَ صَبْرِي عَلَيْهِ، وَاغْفِرْ لِأَوْلَادِي مَا فَعَلُوهُ فِي حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: قَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبْنَاءَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا لِيَعْقُوبَ وَقَدْ غَلَبَهُمُ الْخَوْفُ وَالْبُكَاءُ: مَا يُغْنِي عَنَّا إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَنَا، فَاسْتَقْبَلَ الشَّيْخُ الْقِبْلَةَ قَائِمًا يَدْعُو، وَقَامَ يُوسُفُ خَلْفَهُ يُؤَمِّنُ وَقَامُوا خَلْفَهُمَا أَذِلَّةً خَاشِعِينَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى قَلَّ صَبْرُهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهَا الْهَلَكَةُ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَجَابَ دَعْوَتَكَ فِي وَلَدِكَ وَعَقَدَ مَوَاثِيقَهُمْ بَعْدَكَ عَلَى النُّبُوَّةِ»
وَقَدِ اختلف الناس في نبوتهم وهو مشهور.
سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 100فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
اعْلَمْ أَنَّهُ
رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَّهَ إِلَى أَبِيهِ جَهَازًا، وَمِائَتَيْ رَاحِلَةٍ لِيَتَجَهَّزَ إِلَيْهِ بِمَنْ مَعَهُ وَخَرَجَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمَلِكُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْجُنْدِ وَالْعُظَمَاءِ وَأَهْلِ مِصْرَ بِأَجْمَعِهِمْ تَلَقَّوْا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَمْشِي يَتَوَكَّأُ عَلَى يَهُودَا فَنَظَرَ إِلَى الْخَيْلِ والناس فقال يا يهوذا هَذَا فِرْعَوْنُ مِصْرَ. قَالَ: لَا هَذَا وَلَدُكَ يُوسُفُ فَذَهَبَ يُوسُفُ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ
وَقِيلَ إِنَّ يَعْقُوبَ وَوَلَدَهُ دَخَلُوا مِصْرَ وَهُمُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَخَرَجُوا مِنْهَا مَعَ مُوسَى وَالْمُقَاتِلُونَ مِنْهُمْ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَبِضْعٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا سِوَى الصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ فَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ أَبَوَيْهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ إِنَّ أُمَّهُ كَانَتْ بَاقِيَةً حَيَّةً إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ، إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَاهَا وَأَنْشَرَهَا مِنْ قَبْرِهَا حَتَّى سَجَدَتْ لَهُ تَحْقِيقًا لِرُؤْيَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ أَبُوهُ وَخَالَتُهُ، لِأَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فِي النِّفَاسِ بِأَخِيهِ بِنْيَامِينَ، وَقِيلَ: بِنْيَامِينُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ ابْنُ الْوَجَعِ، وَلَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ تَزَوَّجَ أَبُوهُ بِخَالَتِهِ فَسَمَّاهَا اللَّه تعالى بأحد الأبوين، لأن/ الراية تُدْعَى، أُمًّا لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأُمِّ أَوْ لِأَنَّ الْخَالَةَ أَمٌّ كَمَا أَنَّ الْعَمَّ أَبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ الْبَقَرَةِ:
133 .
الْبَحْثُ الثَّانِي: آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ضَمَّهُمَا إليه واعتنقهما.