عِكْرِمَةَ، وَقِيلَ غِبْطَةٌ لَهُمْ عَنِ الضَّحَّاكِ. وَقِيلَ: حسنى لَهُمْ عَنْ قَتَادَةَ. وَقِيلَ: خَيْرٌ وَكَرَامَةٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ، وَقِيلَ: الْعَيْشُ الطَّيِّبُ لَهُمْ عَنِ الزَّجَّاجِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعَانِيَ مُتَقَارِبَةٌ وَالتَّفَاوُتُ يَقْرُبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي نَيْلِ الطَّيِّبَاتِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ اللَّذَّاتِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ أَطْيَبَ الْأَشْيَاءِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ حَاصِلٌ لَهُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: طُوبَى اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقِيلَ اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْهِنْدِيَّةِ. وَقِيلَ الْبُسْتَانُ بِالْهِنْدِيَّةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْعَرَبِيُّ لَا سِيَّمَا وَاشْتِقَاقُ هَذَا اللَّفْظِ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ظَاهِرٌ.
المسألة الثَّانِيَةُ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الَّذِينَ آمَنُوا مبتدأ وطُوبى لَهُمْ خَبَرُهُ، وَمَعْنَى طُوبَى لَكَ أَيْ أَصَبْتَ طَيِّبًا، وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ أَوِ الرَّفْعُ، كَقَوْلِكَ طَيِّبًا لَكَ وَطَيِّبٌ لَكَ وَسَلَامًا لَكَ وَسَلَامٌ لَكَ، وَالْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: وَحُسْنُ مَآبٍ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ تدلك على محلها، وقرأ مكوزة الأعرابي (طيب لَهُمْ) .
أما قوله: وَحُسْنُ مَآبٍ فَالْمُرَادُ حُسْنُ الْمَرْجِعِ وَالْمَقَرِّ وَكُلُّ ذَلِكَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِأَعْظَمِ النَّعِيمِ تَرْغِيبًا فِي طَاعَتِهِ وَتَحْذِيرًا عَنِ المعصية.
سورة الرعد (13) : آية 30كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30)
اعْلَمْ أَنَّ الْكَافَ فِي كَذلِكَ لِلتَّشْبِيهِ فَقِيلَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ أَرْسَلْنَاكَ كَمَا أَرْسَلْنَا الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَقِيلَ: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ وَأَعْطَيْنَاهُمْ كُتُبًا تُتْلَى عَلَيْهِمْ، كَذَلِكَ أَعْطَيْنَاكَ هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم فلماذا اقْتَرَحُوا غَيْرَهُ، وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِرْسَالِ أَرْسَلْناكَ يَعْنِي أَرْسَلْنَاكَ إِرْسَالًا لَهُ شَأْنٌ وَفَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الْإِرْسَالَاتِ. ثُمَّ فَسَّرَ كَيْفَ أَرْسَلَهُ فَقَالَ: فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أَيْ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ تَقَدَّمَتْهَا أُمَمٌ فَهِيَ آخِرُ الأمم وأنت آخر الأنبياء.
أما قوله: لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فَالْمُرَادُ: لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ:
وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ أَيْ وَحَالُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ الَّذِي رَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَمَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ، وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ فِي إِرْسَالِ مِثْلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْزَالِ هَذَا الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ عَلَيْهِمْ/ قُلْ هُوَ رَبِّي الْوَاحِدُ الْمُتَعَالِي عَنِ الشُّرَكَاءِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فِي نُصْرَتِي عَلَيْكُمْ وَإِلَيْهِ مَتابِ فَيُعِينُنِي عَلَى مُصَابَرَتِكُمْ وَمُجَاهَدَتِكُمْ قِيلَ: نَزَلَ قَوْلُهُ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ يَقُولُ أَمَّا اللَّهُ فَنَعْرِفُهُ، وَأَمَّا الرَّحْمَنُ فَلَا نَعْرِفُهُ، إِلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ يَعَنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ فَقَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الْإِسْرَاءِ: 110 وَكَقَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ الْفُرْقَانِ: 60
وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ صَالَحَ قُرَيْشًا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ: «هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ قَاتَلْنَاكَ فَقَدْ ظَلَمْنَا. وَلَكِنِ اكْتُبْ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَكَتَبَ كَذَلِكَ، وَلَمَّا كَتَبَ فِي الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالُوا: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَلَا