لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى
طَهَ: 15 وَمِنْهَا فِي ص: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ص: 27، 28 النَّوْعُ الْخَامِسُ: الِاسْتِدْلَالُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى فِي الدُّنْيَا عَلَى صِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ فَمِنْهَا خَلْقُهُ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ابْتِدَاءً وَمِنْهَا قِصَّةُ الْبَقَرَةِ وهي قوله: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
الْبَقَرَةِ: 73 وَمِنْهَا قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى الْبَقَرَةِ: 26 وَمِنْهَا قَوْلُهُ: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها الْبَقَرَةِ: 259 وَمِنْهَا قِصَّةُ يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَإِنَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ عَلَى إِمْكَانِهِمَا بِعَيْنِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحَشْرِ حَيْثُ قَالَ:
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً مَرْيَمَ: 9 وَمِنْهَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلِذَلِكَ قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها الْكَهْفِ: 21 وَمِنْهَا قِصَّةُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ الْأَنْبِيَاءِ: 84 يَدُلُّ عَلَى/ أَنَّهُ تَعَالَى أَحْيَاهُمْ بَعْدَ أَنْ مَاتُوا وَمِنْهَا مَا أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ إِحْيَاءِ الموتى حيث قال: يُحْيِ الْمَوْتى الْحَجِّ: 6 وَقَالَ: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي الْمَائِدَةِ: 110 وَمِنْهَا قَوْلُهُ: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً مَرْيَمَ: 67 فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى أُصُولِ الدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ، وَسَيَأْتِي الِاسْتِقْصَاءُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ آيَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَصَّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ كَافِرٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ الْكَهْفِ: 35- 37 وَوَجْهُ إِلْزَامِ الْكُفْرِ أَنَّ دُخُولَ هَذَا الشَّيْءِ فِي الْوُجُودِ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ لَمَا وُجِدَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَحَيْثُ وُجِدَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلِمْنَا أَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَدَلَّ ذَلِكَ إِمَّا عَلَى عَجْزِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِيجَادِ مَا هُوَ جَائِزُ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى جَهْلِهِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ أَجْزَاءِ بَدَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ أَجْزَاءِ بَدَنِ الْمُكَلَّفِ الْآخَرِ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِالْعَجْزِ وَالْجَهْلِ لَا يَصِحُّ إِثْبَاتُ النُّبُوَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ قَطْعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَاتُ صَرِيحَةٌ فِي كَوْنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مخلوقتين، أَمَّا النَّارُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَتِهَا:
أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ فهذا صريحة فِي أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آلِ عمران: 133 ولأنه تعالى قال هاهنا: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ هَذَا الْمِلْكِ وَحُصُولِهِ وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَجَامِعَ اللَّذَّاتِ إِمَّا الْمَسْكَنُ أَوِ الْمَطْعَمُ أَوِ الْمَنْكَحُ فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْكَنَ بِقَوْلِهِ: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالْمَطْعَمَ بِقَوْلِهِ: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَالْمَنْكَحَ بِقَوْلِهِ: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِذَا حَصَلَتْ وَقَارَنَهَا خَوْفُ الزَّوَالِ كَانَ التَّنَعُّمُ مُنَغَّصًا فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْخَوْفَ زَائِلٌ عَنْهُمْ فَقَالَ: وَهُمْ فِيها خالِدُونَ فَصَارَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى كَمَالِ التَّنَعُّمِ والسرر. وَلْنَتَكَلَّمِ الْآنَ فِي أَلْفَاظِ الْآيَةِ.