تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا وَسَيِّئَةً عِنْدَ رَبِّكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الذَّنْبُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَكْرُوهُ لَا يَكُونُ مُرَادًا لَهُ، فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مُرَادُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ مَخْلُوقَةً لَهُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَكَانَتْ مُرَادَةً لَهُ لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مَكْرُوهَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْهَا، وَأَيْضًا مَعْنَى كَوْنِهَا مَكْرُوهَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ وُقُوعَهَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ وُجُودَهَا، لِأَنَّ الْجَوَابَ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ، وَأَيْضًا فَكَوْنُهَا سَيِّئَةً عِنْدَ رَبِّكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا فَلَوْ حَمَلْنَا الْمَكْرُوهَ عَلَى النَّهْيِ لَزِمَ التَّكْرَارُ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي مَعْرِضِ الزَّجْرِ عَنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَلَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَكْرَهُ وُقُوعَهَا هَذَا تَمَامُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَكْرُوهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّكْرِيرِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقَاضِي: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ مُرِيدًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ كَارِهًا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْكَرَاهِيَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَحْمُولَةٌ إِمَّا عَلَى النَّهْيِ أو على إرادة العدم. والله أعلم.
سورة الإسراء (17) : الآيات 39 الى 40ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40)
في قَوْلُهُ تَعَالَى ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ نَوْعًا مِنَ التَّكَالِيفِ. فَأَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الإسراء: 22 وَقَوْلُهُ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ الْإِسْرَاءِ: 23 مُشْتَمِلٌ عَلَى تَكْلِيفَيْنِ:
الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، فَكَانَ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةً. وَقَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الْإِسْرَاءِ: 23 هُوَ الرَّابِعُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ الْإِحْسَانِ خَمْسَةً أُخْرَى وَهِيَ: قَوْلُهُ: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما الْإِسْرَاءِ: 23، 24 فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعَةً، ثُمَّ قَالَ: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْ عَشَرَ. ثُمَّ قَالَ: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الْإِسْرَاءِ: 26 فَيَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. ثُمَّ قَالَ: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ الْإِسْرَاءِ: 28، 29 إِلَى آخَرِ الْآيَةِ وَهُوَ الْخَامِسَ عَشَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ الْإِسْرَاءِ: 31 وَهُوَ السَّادِسَ عَشَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَهُوَ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً وَهُوَ الثَّامِنَ عَشَرَ، ثُمَّ قَالَ: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ الْإِسْرَاءِ: 33 وَهُوَ التَّاسِعَ عَشَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ الْإِسْرَاءِ: 34 وَهُوَ الْعِشْرُونَ. ثُمَّ قَالَ: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَهُوَ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ الْإِسْرَاءِ: 35 وَهُوَ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الْإِسْرَاءِ: 36 وَهُوَ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ