الْبَابُ السَّادِسُ فِي تَقْسِيمِ الِاسْمِ إِلَى الْمُعْرَبِ وَالْمَبْنِيِّ، وَذِكْرِ الْأَحْكَامِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيهِ مَسَائِلُالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي لَفْظِ الْإِعْرَابِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: «أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ» إِذَا بَيَّنَ مَا فِي ضَمِيرِهِ، فَإِنَّ الْإِعْرَابَ إِيضَاحُ الْمَعْنَى، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَعْرَبَ مَنْقُولًا مِنْ قَوْلِهِمْ: «عَرِبَتْ مَعِدَةُ الرَّجُلِ» إِذَا فَسَدَتْ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِعْرَابِ إِزَالَةَ الْفَسَادِ وَرَفْعَ الْإِبْهَامِ، مِثْلَ أَعْجَمْتُ الْكِتَابَ بِمَعْنَى أَزَلْتُ عُجْمَتَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا وُضِعَ لَفْظُ الْمَاهِيَّةِ وَكَانَتْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ مَوْرِدًا لِأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْرِدًا لِأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لِتَكُونَ الْأَحْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ اللَّفْظِيَّةُ دَالَّةً عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، كَمَا أَنَّ جَوْهَرَ اللَّفْظِ لَمَّا كَانَ دَالًّا عَلَى أَصْلِ الْمَاهِيَّةِ كَانَ اخْتِلَافُ أَحْوَالِهِ دَالًّا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَتِلْكَ الْأَحْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ اللَّفْظِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ هِيَ الْإِعْرَابُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ أَحْوَالٌ عَارِضَةٌ لِلْمَاهِيَّاتِ، وَالْعَوَارِضُ لَا تَعْرِضُ لَهَا عَوَارِضُ أُخْرَى، هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْأَكْثَرِيُّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَعْرِضُ لَهَا الْأَحْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ هِيَ الذَّوَاتُ، وَالْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهَا هِيَ الْأَسْمَاءُ، فَالْمُسْتَحِقُّ لِلْإِعْرَابِ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَسْمَاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِنَّمَا اخْتَصَّ الْإِعْرَابُ بِالْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الْكَلِمَةِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَحْوَالَ الْعَارِضَةَ لِلذَّاتِ لَا تُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الذَّاتِ، وَاللَّفْظُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلِمَةِ. الثَّانِي: أَنَّ اخْتِلَافَ حَالِ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنَ الْكَلِمَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِلَافِ أَوْزَانِ الْكَلِمَةِ، فَلَمْ يَبْقَ لِقَبُولِ الْأَحْوَالِ الْإِعْرَابِيَّةِ إِلَّا الْحَرْفُ الْأَخِيرُ مِنَ الْكَلِمَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْإِعْرَابُ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي أواخر الكلمات بدليل أنها موجودة في المبينات وَالْإِعْرَابُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهَا بَلِ الْإِعْرَابُ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِهَا لِهَذِهِ الْحَرَكَاتِ بِسَبَبِ الْعَوَامِلِ الْمَحْسُوسَةِ، وَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ مَعْقُولٌ لَا مَحْسُوسٌ، وَالْإِعْرَابُ حَاجَةٌ مَعْقُولَةٌ لَا مَحْسُوسَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إِذَا قُلْنَا فِي الْحَرْفِ: أَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ أَوْ سَاكِنٌ، فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّ الْحَرَكَةَ/ وَالسُّكُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، وَالْحَرْفُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْ حَرَكَةِ الْحَرْفِ صَوْتٌ مَخْصُوصٌ يُوجَدُ عَقِيبَ التَّلَفُّظِ بِالْحَرْفِ، وَالسُّكُونُ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يُوجَدَ الْحَرْفُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقِبَهُ ذَلِكَ الصَّوْتُ الْمَخْصُوصُ الْمُسَمَّى بِالْحَرَكَةِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: الْحَرَكَاتُ إِمَّا صَرِيحَةٌ أَوْ مُخْتَلَسَةٌ، وَالصَّرِيحَةُ إِمَّا مُفْرَدَةٌ أَوْ غَيْرُ مُفْرَدَةٍ فَالْمُفْرَدَةُ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ: الْفَتْحَةُ، وَالْكَسْرَةُ، وَالضَّمَّةُ، وَغَيْرُ الْمُفْرَدَةِ مَا كَانَ بَيْنَ بَيْنَ، وَهِيَ سِتَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قِسْمَانِ، فَلِلْفَتْحَةِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الكسرة أو ما بينها وبين الضمة، وللكسرة مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الضَّمَّةِ أَوْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَتْحَةِ، وَالضَّمَّةِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، فَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةٌ. وَهِيَ إِمَّا مُشْبَعَةٌ أَوْ غَيْرُ مُشْبَعَةٍ، فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ الْمُخْتَلَسَةُ،