يَكُونَ مُغَايِرًا لِجُمْلَةِ هَذَا الْبَدَنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَأَبْعَاضِهِ. الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحَكِّمُ عَقْلَهُ بِإِضَافَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ رَأْسِي وَعَيْنِي وَيَدِي وَرِجْلِي وَلِسَانِي وَقَلْبِي وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَنَّ يَكُونَ الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ مُغَايِرًا لِجُمْلَةِ هَذَا الْبَدَنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ. فَإِنْ قَالُوا:
قَدْ يَقُولُ نَفْسِي وَذَاتِي فَيُضِيفُ النَّفْسَ وَالذَّاتَ إِلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَذَاتُهُ مُغَايِرَةً لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ قُلْنَا قَدْ يُرَادُ بِهِ هَذَا الْبَدَنُ الْمَخْصُوصُ وَقَدْ يُرَادُ بِنَفْسِ الشَّيْءِ وَذَاتِهِ الْحَقِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِقَوْلِهِ أَنَا فَإِذَا قَالَ نَفْسِي وَذَاتِي فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْبَدَنَ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِجَوْهَرِ الْإِنْسَانِ، أَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِالنَّفْسِ وَالذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: أَنَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ إِنْسَانِي وَذَلِكَ لِأَنَّ عَيْنَ الْإِنْسَانِ ذَاتُهُ فَكَيْفَ يُضِيفُهُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى ذَاتِهِ. الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا فَهُوَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ هَذَا الْجِسْمِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ تِلْكَ الدَّلَائِلِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ حَيًّا حَالَ مَا يَكُونُ الْبَدَنُ مَيِّتًا فَوَجَبَ كَوْنُ/ الْإِنْسَانِ مُغَايِرًا لِهَذَا الْبَدَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آلِ عِمْرَانَ: 169 فَهَذَا النَّصُّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أُولَئِكَ الْمَقْتُولِينَ أَحْيَاءٌ وَالْحِسُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَسَدَ مَيِّتٌ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا غَافِرٍ: 46 وَقَوْلَهُ: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا نُوحٍ: 25 يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْيَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنْبِيَاءُ اللَّهِ لَا يَمُوتُونَ وَلَكِنْ يُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ»
وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ»
وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ»
كُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْجَسَدِ، وَبَدِيهَةُ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ شَاهِدَانِ بِأَنَّ هَذَا الْجَسَدَ مَيِّتٌ. وَلَوْ جَوَّزْنَا كَوْنَهُ حَيًّا جَازَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْجَمَادَاتِ، وَذَلِكَ عَيْنُ السَّفْسَطَةِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ وَكَانَ الْجَسَدُ مَيِّتًا لَزِمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا الْجَسَدِ.
الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ لَهُ «حَتَّى إِذَا حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى نَعْشِهِ رَفْرَفَ رُوحُهُ فَوْقَ النَّعْشِ، وَيَقُولُ يَا أَهْلِي وَيَا وَلَدِي لَا تَلْعَبَّنَ بِكُمُ الدُّنْيَا كَمَا لَعِبَتْ بِي، جَمَعْتُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَغَيْرِ حِلِّهِ فَالْغِنَى لِغَيْرِي وَالتَّبِعَةُ عَلَيَّ فَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا حَلَّ بِي»
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ بِأَنَّ حَالَ مَا يَكُونُ الْجَسَدُ مَحْمُولًا عَلَى النَّعْشِ بَقِيَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُنَادِي وَيَقُولُ يَا أَهْلِي وَيَا وَلَدِي جَمَعْتُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَغَيْرِ حِلِّهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي كَانَ الْأَهْلُ أَهْلًا لَهُ وَكَانَ جَامِعًا لِلْمَالِ مِنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ وَالَّذِي بَقِيَ فِي رَقَبَتِهِ الْوَبَالُ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْجَسَدُ مَيِّتًا مَحْمُولًا كَانَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ حَيًّا بَاقِيًا فَاهِمًا وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ وَلِهَذَا الْهَيْكَلِ.
الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً الْفَجْرِ: 27، 28 وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: ارْجِعِي إِنَّمَا هُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهَا حَالَ الْمَوْتُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ مَوْتِ الْجَسَدِ يَكُونُ حَيًّا رَاضِيًا عَنِ اللَّهِ وَيَكُونُ رَاضِيًا عَنْهُ اللَّهُ وَالَّذِي يَكُونُ رَاضِيًا لَيْسَ إِلَّا الْإِنْسَانُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ بَقِيَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْجَسَدِ وَالْحَيُّ غَيْرُ الْمَيِّتِ فَالْإِنْسَانُ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ.
الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ