وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَالشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكُوا
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: «لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ»
قَالُوا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ أَعْظَمُ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِأَدَاءِ النَّوَافِلِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُتَقَرِّبَ إِلَيْهِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَامَاتِ فَالْمُتَقَرِّبُ إِلَيْهِ بِأَدَاءِ النَّوَافِلِ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ. الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ النَّحْلِ: 7 وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَلِيَّ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ- لَا عَلَى الْوَجْهِ- طَعْنٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَيْضًا إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِلْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ مَعَ التَّعَبِ الشَّدِيدِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْوَلِيَّ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدِ نَفْسِهِ إِلَى الْحَجِّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: قَالُوا: هَذَا الْوَلِيُّ الَّذِي تَظْهَرُ عَلَيْهِ الْكَرَامَاتُ إِذَا ادَّعَى عَلَى إِنْسَانٍ دِرْهَمًا فَهَلْ نُطَالِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ طَالَبْنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ عَبَثًا لِأَنَّ ظُهُورَ الْكَرَامَاتِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، وَمَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ كَيْفَ يُطْلَبُ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ، وَإِنْ لَمْ نُطَالِبْهُ بِهَا فَقَدْ تَرَكْنَا
قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْكَرَامَةِ بَاطِلٌ. الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ: إِذَا جَازَ ظُهُورُ الْكَرَامَةِ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ جَازَ ظُهُورُهَا عَلَى الْبَاقِينَ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْكَرَامَاتُ حَتَّى خَرَقَتِ الْعَادَةَ جَرَتْ وَفْقًا لِلْعَادَةِ وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ. «وَالْجَوَابُ» عَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى: أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ دَعْوَى الْوِلَايَةِ؟
فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَكُونُ مَسْبُوقَةً بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةُ لَا تَكُونُ مَسْبُوقَةً بِدَعْوَى الْوِلَايَةِ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِنَّمَا بُعِثُوا إِلَى الْخَلْقِ لِيَصِيرُوا دُعَاةً لِلْخَلْقِ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ فَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَإِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ بَقُوا عَلَى الْكُفْرِ وَإِذَا ادَّعَوُا النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرُوا الْمُعْجِزَةَ آمَنَ الْقَوْمُ بِهِمْ فَإِقْدَامُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى دَعْوَى النُّبُوَّةِ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ تَعْظِيمَ النَّفْسِ بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِظْهَارُ الشَّفَقَةِ عَلَى الْخَلْقِ حَتَّى يَنْتَقِلُوا مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْوَلِيِّ فَلَيْسَ الْجَهْلُ بِهَا كُفْرًا وَلَا مَعْرِفَتُهَا إِيمَانًا فَكَانَ دَعْوَى الْوِلَايَةِ طَلَبًا لِشَهْوَةِ النَّفْسِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ إِظْهَارُ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ دَعْوَى الْوِلَايَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ، أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ دَعْوَى الْوِلَايَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّ ظُهُورَ الْفِعْلِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ مُبَرَّءًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ إِنِ اقْتَرَنَ هَذَا الْفِعْلُ بِادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فِي دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَإِنِ اقْتَرَنَ بِادِّعَاءِ الْوِلَايَةِ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فِي دَعْوَى الْوِلَايَةِ، وَبِهَذَا/ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْكَرَامَةِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ طَعْنًا فِي مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَّعِي الْمُعْجِزَةَ وَيَقْطَعُ بِهَا، وَالْوَلِيُّ إِذَا ادَّعَى الْكَرَامَةَ لَا يَقْطَعُ بِهَا لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ يَجِبُ ظُهُورُهَا، أَمَّا الكرامة ف لا يَجِبُ ظُهُورُهَا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْمُعْجِزَةِ وَلَا يُجِبْ نَفْيُهَا عَنِ الْكَرَامَةِ. الرَّابِعُ: أَنَّا لَا نُجَوِّزُ ظُهُورَ الْكَرَامَةِ عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَ ادِّعَاءِ الْوِلَايَةِ إِلَّا إِذَا أَقَرَّ عِنْدَ تِلْكَ الدَّعْوَى بِكَوْنِهِ عَلَى دِينِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ صَارَتْ تِلْكَ الْكَرَامَةُ مُعْجِزَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ وَمُؤَكِّدَةً لِرِسَالَتِهِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْكَرَامَةِ طَاعِنًا فِي نُبُوَّةِ النَّبِيِّ بَلْ يَصِيرُ مُقَوِّيًا لَهَا. «وَالْجَوَابُ» عَنِ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ التَّقَرُّبَ بِالْفَرَائِضِ وَحْدَهَا أَكْمَلُ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ، أَمَّا الْوَلِيُّ فَإِنَّمَا يَكُونُ وَلِيًّا إِذَا كَانَ آتِيًا بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَكُونُ حَالُهُ أَتَمَّ مِنْ حَالِ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرَائِضِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. «وَالْجَوَابُ» عَلَى الشُّبْهَةِ الثَّالِثَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمُتَعَارَفِ، وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ أَحْوَالٌ نَادِرَةٌ فَتَصِيرُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ عَنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ. وَهَذَا هُوَ «الْجَوَابُ» عَنِ الشُّبْهَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ التَّمَسُّكُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَيِّنَةُ على