الصَّفْصَفُ لِلصَّحْرَاءِ. وَثَانِيهَا: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ صُفُوفًا يَقِفُ بَعْضُهُمْ وَرَاءَ بَعْضٍ مِثْلَ الصُّفُوفِ الْمُحِيطَةِ بِالْكَعْبَةِ الَّتِي يَكُونُ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صَفًّا صُفُوفًا كَقَوْلِهِ: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا غَافِرٍ: 67 أَيْ أَطْفَالًا. وَثَالِثُهَا: صَفًّا أَيْ قِيَامًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ الْحَجِّ: 36 قَالُوا قِيَامًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُشَبِّهَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الْفَجْرِ: 22 يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقِيَامَةِ صَفًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جِئْتُمُونا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ وُقُوفَهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْأَلُهُمْ فِيهِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا عَرْضًا عَلَيْهِ، لَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي مَكَانٍ وَعُرِضُوا عَلَيْهِ لِيَرَاهُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يكن يراهم، ثم قال تعالى: قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ حُصُولَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا صِغَارًا وَلَا عَقْلَ لَهُمْ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ الْمُفْتَخِرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْوَالِ والأنصار: /قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
عُرَاةً حُفَاةً بِغَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَعْوَانٍ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ الْأَنْعَامِ: 94 وَقَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً- إِلَى قَوْلِهِ- وَيَأْتِينا فَرْداً مَرْيَمَ: 77- 80 ثُمَّ قال تعالى: لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
أَيْ كُنْتُمْ مَعَ التَّعَزُّزِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْصَارِ تُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ فَالْآنَ قَدْ تَرَكْتُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْصَارَ فِي الدُّنْيَا وَشَاهَدْتُمْ أَنَّ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتابُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُوضَعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ كِتَابُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي يَدِهِ إِمَّا فِي الْيَمِينِ أَوْ فِي الشَّمَالِ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ وَهُوَ صُحُفُ الْأَعْمَالِ: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ أَيْ خَائِفِينَ مِمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَخَائِفِينَ مِنْ ظُهُورِ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَفْتَضِحُونَ، وَبِالْجُمْلَةِ يَحْصُلُ لَهُمْ خَوْفُ الْعِقَابِ مِنَ الْحَقِّ وَخَوْفُ الْفَضِيحَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا يُنَادُونَ هِلْكَتَهُمُ الَّتِي هَلَكُوهَا خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْهِلْكَاتِ: مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وهي عبارة عن الإحصاء بِمَعْنَى لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إِلَّا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ الِانْفِطَارِ: 10- 12 وَقَوْلُهُ: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الْجَاثِيَةِ: 29 وَإِدْخَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ: إِلَّا أَحْصاها إِلَّا ضَبَطَهَا وَحَصَرَهَا، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ضَجُّوا مِنَ الصَّغَائِرِ قَبْلَ الْكَبَائِرِ «1» . لِأَنَّ تِلْكَ الصَّغَائِرَ هِيَ الَّتِي جَرَّتْهُمْ إِلَى الْكَبَائِرِ فَاحْتَرَزُوا مِنَ الصَّغَائِرِ جِدًّا: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً فِي الصُّحُفِ عَتِيدًا أَوْ جَزَاءَ مَا عَمِلُوا: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ، وَلَا يَزِيدُ فِي عِقَابِهِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِجُرْمِ غَيْرِهِ، بَقِيَ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُجَبِّرَةِ فِي مَسَائِلَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ عَذَّبَ عِبَادَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ صَدَرَ مِنْهُمْ لَكَانَ ظَالِمًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ الْأَطْفَالَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. وَثَالِثُهَا: بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ لله