وَمَسَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا؟ قَالُوا وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَقُولُ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنَ الشَّرِّ وَتُبْعِدْنِي مِنَ الْخَيْرِ وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ فَاجْعَلْ لِي عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِطَابَعٍ وَوُضِعَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الَّذِينَ لَهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» ،
فَظَهَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَهْدِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ وَظَهَرَ وَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَقَالَ الْقَاضِي: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْآيَةَ قَوِيَّةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى قَوْلِنَا والله أعلم.
سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95)
في قوله تعالى وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً إلى قوله وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا رَدَّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَادَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ لَهُ وَلَدًا: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ التَّوْبَةِ: 30 وَقَالَتِ الْعَرَبُ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَالْكُلُّ دَاخِلُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْعَرَبِ الَّذِي أَثْبَتُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ قَالُوا لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَى النَّصَارَى تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَمَّا الْآنُ فَإِنَّهُ لَمَّا رَدَّ عَلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالُوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ تَكَلَّمَ فِي إِفْسَادِ/ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا بِعِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ لِكَوْنِهِمْ بَنَاتِ اللَّهِ أَمَّا قَوْلُهُ: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا فقرىء إِدًّا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ الْإِدُّ وَالْأَدُّ الْعَجَبُ وَقِيلَ الْمُنْكَرُ الْعَظِيمُ وَالْأَدَّةُ الشِّدَّةُ وَأَدَّنِي الْأَمْرُ وَآدَنِي أَثْقَلَنِي. قُرِئَ يَتَفَطَّرْنَ بِالتَّاءِ بَعْدَ الْيَاءِ أَعْنِي الْمُعْجَمَةَ مِنْ تَحْتِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي يَكَادُ فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ تَحْتِهَا وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ، وَالِانْفِطَارُ مِنْ فَطَرَهُ إِذَا شَقَّهُ وَالتَّفَطُّرُ مِنْ فَطَّرَهُ إِذَا شَقَّقَهُ وَكَرَّرَ الْفِعْلَ فِيهِ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَتَصَدَّعْنَ وَقَوْلُهُ: وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَيْ تُهَدُّ هَدًّا أَوْ مَهْدُودَةٌ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لِأَنَّهَا تُهَدُّ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَتَسَاقَطُ أَشَدَّ مَا يَكُونُ تَسَاقُطُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ يُؤْثَرُ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الْوَلَدِ لِلَّهِ تعالى في انفطار السموات وَانْشِقَاقِ الْأَرْضِ وَخُرُورِ الْجِبَالِ؟ قُلْنَا فِيهِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ أَفْعَلُ هذا بالسموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ غَضَبًا مِنِّي عَلَى مَنْ تَفَوَّهَ بِهَا لَوْلَا حِلْمِي وَأَنِّي لَا أَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ كَمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فَاطِرٍ: 41 . وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ اسْتِعْظَامًا لِلْكَلِمَةِ وَتَهْوِيلًا مِنْ فَظَاعَتِهَا وَتَصْوِيرًا لِأَثَرِهَا فِي الدِّينِ وَهَدْمِهَا لِأَرْكَانِهِ وَقَوَاعِدِهِ. وَثَالِثُهَا: أن السموات والأرض