إِسْرَائِيلَ وَرُهْبَانِهِمْ حَادِثُوا مِنَ النَّاسِ الْأَتْقِيَاءَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهِمْ تَقِيًّا فَحَادِثُوا الْعُلَمَاءَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا عَالِمًا فَحَادِثُوا الْعُقَلَاءَ فَإِنَّ التُّقَى والعلم والعقل ثلاث مرات بما جَعَلْتُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِي أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي وَأَنَا أُرِيدُ إِهْلَاكَهُ»
وَأَقُولُ إِنَّمَا قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى التُّقَى عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ التُّقَى لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْخَشْيَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالْمَوْصُوفُ بِالْأَمْرَيْنِ أَشْرَفُ مِنَ الْمَوْصُوفِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا السِّرُّ أَيْضًا قَدَّمَ الْعَالِمَ عَلَى الْعَاقِلِ لِأَنَّ الْعَالِمَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، أَمَّا الْعَاقِلُ فَقَدْ لَا يَكُونُ عَالِمًا فَالْعَقْلُ كَالْبَذْرِ وَالْعِلْمُ كَالشَّجَرَةِ وَالتَّقْوَى كَالثَّمَرِ. وَأَمَّا الْإِنْجِيلُ
قَالَ اللَّهُ تعالى في السورة السابعة عشر مِنْهُ «وَيْلٌ لِمَنْ سَمِعَ بِالْعِلْمِ فَلَمْ يَطْلُبْهُ كَيْفَ يُحْشَرُ مَعَ الْجُهَّالِ إِلَى النَّارِ اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوهُ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِنْ لَمْ يُسْعِدْكُمْ لَمْ يُشْقِكُمْ/ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْكُمْ لَمْ يَضَعْكُمْ وَإِنْ لَمْ يُغْنِكُمْ لَمْ يُفْقِرْكُمْ وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ وَلَا تَقُولُوا نَخَافُ أَنْ نَعْلَمَ فَلَا نَعْمَلُ وَلَكِنْ قُولُوا نَرْجُو أَنْ نَعْلَمَ فَنَعْمَلَ»
وَالْعِلْمُ شَفِيعٌ لِصَاحِبِهِ وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُخْزِيَهُ،
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «يَا مَعَاشِرَ الْعُلَمَاءِ مَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ؟
يَقُولُونَ. ظَنُّنَا أَنْ يَرْحَمَنَا وَيَغْفِرَ لَنَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ، إِنِّي قَدِ اسْتَوْدَعْتُكُمْ حِكْمَتِي لَا لِشَرٍّ أَرَدْتُهُ بِكُمْ، بَلْ لِخَيْرٍ أَرَدْتُهُ بِكُمْ، فَادْخُلُوا فِي صَالِحِ عِبَادِي إِلَى جَنَّتِي بِرَحْمَتِي»
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ. أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال لعيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: يَا عِيسَى عَظِّمِ الْعُلَمَاءَ وَاعْرِفْ فَضْلَهُمْ لِأَنِّي فَضَّلْتُهُمْ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْكَوَاكِبِ، وَكَفَضْلِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، وَكَفَضْلِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ،
أَمَّا الْأَخْبَارُ: «أ»
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعُلَمَاءِ «إِنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعَذِّبَكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ»
«ب»
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً بَلِيغَةً قَبْلَ وَفَاتِهِ وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَتَوَاضَعَ فِي الْعِلْمِ وَعَلَّمَهَ عِبَادَ اللَّهِ يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ ثَوَابًا مِنْهُ وَلَا أَعْظَمُ مَنْزِلَةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةٌ وَلَا دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ نَفِيسَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهَا أَوْفَرُ النَّصِيبِ وَأَشْرَفُ الْمَنَازِلِ» .
«ج»
ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفَّتْ مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ عَلَيْهَا قِبَابٌ مِنْ فِضَّةٍ مُنَضَّدَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ جِلَالُهَا السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَنِ: أَيْنَ مَنْ حَمَلَ إِلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عِلْمًا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ: اجْلِسُوا عَلَى هَذِهِ الْمَنَابِرِ فَلَا خَوْفَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
«د»
عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ، يَرْضَوْنَ مِنَ اللَّهِ بِالْيَسِيرِ مِنَ الرِّزْقِ، وَيَرْضَى اللَّهُ مِنْهُمْ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
«هـ»
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ مَلَكَاهُ وَإِنْ مَاتَ فِي طَلَبِهِ مَاتَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَبْرُهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُنَوَّرُ عَلَى جِيرَانِهِ أَرْبَعِينَ قَبْرًا عَنْ يَمِينِهِ. وَأَرْبَعِينَ قَبْرًا عَنْ يَسَارِهِ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ خَلْفِهِ، وَأَرْبَعِينَ أَمَامَهُ، وَنَوْمُ الْعَالِمِ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتُهُ تَسْبِيحٌ، وَنَفْسُهُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ قَطْرَةٍ نَزَلَتْ مِنْ عَيْنَيْهِ تُطْفِئُ بَحْرًا مِنْ جَهَنَّمَ فَمَنْ أَهَانَ الْعَالِمَ فقد أَهَانَ اللَّهَ أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
«و»
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَجْوَدِ الْأَجْوَادِ. قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَجْوَدُ الْأَجْوَادِ وَأَنَا أَجْوَدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ عَالِمٌ يَنْشُرُ عِلْمَهُ فَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ وَرَجُلٌ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ» .
«ز»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ/ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا والآخرة، والله تعالى في عون العبد، مادام الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إلى الجنة