كَأَنَّ صَرِيفَ نَابَاهُ إِذَا مَا
... أَمَرَّهُمَا صَرِيرَ الْأَخْطَبَانِ
قَالَ بَعْضُهُمُ: الْأَخْطَبَانِ ذَكَرُ الصِّرْدَانِ، فَصَيَّرَهُمَا وَاحِدًا فَبَقِيَ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ صَرِيفُ نَابَاهُ، قَالَ: وأنشدني يونس لبعض بني الحرث:
كَأَنَّ يَمِينَا سَحْبَلٍ وَمَصِيفَهُ
... مُرَاقُ دَمٍ لَنْ يَبْرَحَ الدَّهْرُ ثَاوِيَا
وَأَنْشَدُوا أَيْضًا:
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا
... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي رَوَيْنَا عَنْ قُطْرُبٍ:
هُنَاكَ أَنْ تَبْكِي بِشَعْشَعَانِ
... رَحْبِ الْفُؤَادِ طَائِلِ الْيَدَانِ
ثُمَّ قَالَ الْفَرَّاءُ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَقْيَسُ لِأَنَّ مَا قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ أَلِفًا وَلَوْ كَانَ مَا بَعْدَهُ يَاءً يَنْبَغِي أَنْ تَنْقَلِبَ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَقُطْرُبٌ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرَارًا إِلَى الْأَلِفِ الَّتِي هِيَ أَخَفُّ حُرُوفِ الْمَدِّ هَذَا أَقْوَى الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: الْأَلِفُ فِي هَذَا مِنْ جَوْهَرِ الْكَلِمَةِ وَالْحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ جَوْهَرِ الْكَلِمَةِ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يَزُولُ بِالْعَرَضِ فَهَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُقَالَ: (إِنَّ هَذَيْنِ) فَلَمَّا جَوَّزْنَاهُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أَنْ يُقَالَ إِنْ هَذَانِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هاهنا بِمَعْنَى نَعَمْ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ علاك
... وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنْهُ
أَيْ فَقُلْتُ نَعَمْ فَالْهَاءُ فِي إِنْهُ هَاءُ السَّكْتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ الْحَاقَّةِ: 29 وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
شَابَ الْمَفَارِقُ إِنْ إِنَّ مِنَ الْبِلَى
... شَيْبُ الْقَذَالِ مَعَ الْعِذَارِ الْوَاصِلِ
أَيْ نَعَمْ إِنَّ مِنَ الْبِلَى فَصَارَ إِنْ كَأَنَّهُ قَالَ نَعَمْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: اللَّامُ لَا تَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ إِنَّ دَاخِلَةً فِي الْمُبْتَدَأِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَدْخُلْ إِنَّ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللَّامِ الْمُبْتَدَأُ إِذْ يُقَالُ لَزَيْدٌ أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو وَلَا يُقَالُ زَيْدٌ لَأَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ مِنْ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّامَ لَا يَحْسُنُ دُخُولُهَا عَلَى الْخَبَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
أَمُّ الحليس لعجوز شهر به
... تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وَقَالَ آخَرُ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ
... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرَمُ الْأَخْوَالَا
وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ:
أَلَمْ تَكُنْ حَلَفْتَ باللَّه الْعَلِيِّ
... أَنَّ مَطَايَاكَ لَمِنْ خَيْرِ الْمَطِيِّ
وَإِنْ رُوِيَتْ إِنَّ بِالْكَسْرِ لَمْ يَبْقَ الِاسْتِدْلَالُ إِلَّا أَنَّ قُطْرُبًا قَالَ: سَمِعْنَاهُ مَفْتُوحَ الْهَمْزَةِ وَأَيْضًا فَقَدْ/ أُدْخِلَتِ