بِأَوْقَاتِ الْفَخِّ يُغَطَّى لَهُ بِأُصْبُعٍ مِنْ تُرَابٍ فَلَا يَرَاهُ بَلْ يَقَعُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا جَاءَ الْقَدَرُ عَمِيَ الْبَصَرُ (هـ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ تُقَسَّمُ الْجَنَّةُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ جُزْءٍ تِسْعَةُ آلَافِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِينِ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ فَكَانَ هَذَا ثَوَابَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعُقُولِ يَقْتَسِمُونَ الْمَنَازِلَ فِيهَا وَجُزْءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الضُّعَفَاءِ الْفُقَرَاءِ الصَّالِحِينَ «و» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِوَلَدِهِ يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِالْأَدَبِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَأُنْسٌ فِي الْوَحْشَةِ وَصَاحِبٌ فِي الْغُرْبَةِ وَقَرِينٌ فِي الْحَضَرِ وَصَدْرٌ فِي الْمَجْلِسِ وَوَسِيلَةٌ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْوَسَائِلِ وَغِنًى عِنْدَ الْعَدَمِ وَرِفْعَةٌ لِلْخَسِيسِ وَكَمَالٌ لِلشَّرِيفِ وَجَلَالَةٌ لِلْمَلِكِ «ز» عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: صَرِيرُ قَلَمِ الْعُلَمَاءِ تَسْبِيحٌ وَكِتَابَةُ الْعِلْمِ وَالنَّظَرُ فِيهِ عِبَادَةٌ وَإِذَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الْمِدَادِ ثَوْبَهُ فَكَأَنَّمَا أَصَابَهُ دَمُ الشُّهَدَاءِ وَإِذَا قَطَرَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ تَلَأْلَأَ نُورُهُ، وَإِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْجَمْعِ فَيُقَالُ هَذَا عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَحُشِرَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ «ح» فِي «كِتَابِ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ» : أَحَقُّ مَنْ لَا يُسْتَخَفُّ بِحُقُوقِهِمْ ثَلَاثَةٌ: الْعَالِمُ وَالسُّلْطَانُ وَالْإِخْوَانُ فَإِنَّ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْعَالِمِ أَهْلَكَ دِينَهُ وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ أَهْلَكَ دُنْيَاهُ وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالْإِخْوَانِ أَهْلَكَ مُرُوءَتَهُ «ط» قَالَ سُقْرَاطُ مِنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَكَ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَجِدُ مَنْ يَخْدِمُكَ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ بَلْ تَخْدِمُهُ بِنَفْسِكَ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى سَلْبِهِ عَنْكَ «ي» قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ لَا تَنْظُرْ فَأَغْمَضَ عَيْنَيْهِ، فَقِيلَ لَا تَسْمَعْ فَسَدَّ أُذُنَيْهِ، فَقِيلَ لَا تَتَكَلَّمْ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ لَا تَعْلَمْ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ «يَا» إِذَا كَانَ السَّارِقُ عَالِمًا لَا تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً لِي وَكَذَا/ الشَّارِبُ يَقُولُ حَسِبْتُهُ خَلَّا وَكَذَا الزَّانِي يَقُولُ تَزَوَّجْتُهَا فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ «يب» قَالَ بَعْضُهُمْ أَحْيُوا قُلُوبَ إِخْوَانِكُمْ بِبَصَائِرِ بَيَانِكُمْ كَمَا تُحْيُونَ الْمَوَاتَ بِالنَّبَاتِ وَالنَّوَاةِ، فَإِنَّ نَفْسًا تَبْعُدُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ أَفْضَلُ مِنْ أَرْضٍ تَصْلُحُ لِلنَّبَاتِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لِأَهْلِهِ
... وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنَّ امرأ لم يحيى بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ
... وَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
وَأَمَّا النُّكَتُ فَمِنْ وُجُوهٍ: «أ» الْمَعْصِيَةُ عِنْدَ الْجَهْلِ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا وَعِنْدَ الشَّهْوَةِ يُرْجَى زَوَالُهَا، انْظُرْ إِلَى زَلَّةِ آدَمَ فَإِنَّهُ بِعِلْمِهِ اسْتَغْفَرَ وَالشَّيْطَانُ غَوَى وَبَقِيَ فِي غَيِّهِ أَبَدًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ «ب»
إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَارَ مَلِكًا احْتَاجَ إلى زير فَسَأَلَ رَبَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ لَا تَخْتَرْ إِلَّا فُلَانًا فَرَآهُ يُوسُفُ فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ لِجِبْرِيلَ إِنَّهُ كَيْفَ يَصْلُحُ لِهَذَا الْعَمَلِ مَعَ سُوءِ حَالِهِ فَقَالَ جِبْرِيلُ إِنَّ رَبَّكَ عَيَّنَهُ لِذَلِكَ لأنه كان ذب عنك حيث قال: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ يُوسُفَ: 27
وَالنُّكْتَةُ أَنَّ الَّذِي ذَبَّ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَحَقَّ الشَّرِكَةَ فِي مَمْلَكَتِهِ فَمَنْ ذَبَّ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ بِالْبُرْهَانِ الْمُسْتَقِيمِ كَيْفَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنَ اللَّهِ الْإِحْسَانَ وَالتَّحْسِينَ «ج» أَرَادَ وَاحِدٌ خِدْمَةَ مَلِكٍ فَقَالَ الْمَلِكُ اذْهَبْ وَتَعَلَّمْ حَتَّى تَصْلُحَ لِخِدْمَتِي فَلَمَّا شَرَعَ فِي التَّعَلُّمِ وَذَاقَ لَذَّةَ الْعِلْمِ بَعَثَ الْمَلِكُ إِلَيْهِ وَقَالَ اتْرُكِ التَّعَلُّمَ فَقَدْ صِرْتَ أَهْلًا لِخِدْمَتِي فَقَالَ كُنْتُ أَهْلًا لِخِدْمَتِكَ حِينَ لَمْ تَرَنِي أَهْلًا لِخِدْمَتِكَ وَحِينَ رَأَيْتَنِي أَهْلًا لِخِدْمَتِكَ رَأَيْتُ نَفْسِي أَهْلًا لِخِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْبَابَ بَابُكَ لِجَهْلِي وَالْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الْبَابَ بَابُ الرَّبِّ «د» تَحْصِيلُ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَصْعُبُ عَلَيْكَ لِفَرْطِ حُبِّكَ لِلدُّنْيَا لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَاكَ سَوَادَ الْعَيْنِ وَسُوَيْدَاءَ الْقَلْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّوَادَ أَكْبَرُ مِنَ السُّوَيْدَاءِ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّ السُّوَيْدَاءَ تَصْغِيرُ السَّوَادِ ثُمَّ إِذَا وَضَعْتَ عَلَى سَوَادِ عَيْنِكَ جُزْءًا مِنَ الدُّنْيَا لَا تَرَى شَيْئًا فَكَيْفَ إِذَا وَضَعْتَ عَلَى السُّوَيْدَاءِ كُلَّ الدُّنْيَا كَيْفَ تَرَى بِقَلْبِكَ شَيْئًا «هـ» قَالَ حَكِيمٌ: الْقَلْبُ ميت وحياته بالعالم وَالْعِلْمُ مَيِّتٌ وَحَيَاتُهُ