أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: زَوْجِي لَطَمَ وَجْهِي فَقَالَ: بَيْنَكُمَا الْقِصَاصُ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ فَأَمْسَكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِصَاصِ حَتَّى نزل قَوْلُهُ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ النِّسَاءِ: 34
وَهَذَا بَعِيدٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْأَوَّلِ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَهُ بِالْفَزَعِ إِلَى اللَّه سُبْحَانَهُ فِي زِيَادَةِ الْعِلْمِ الَّتِي تَظْهَرُ بِتَمَامِ الْقُرْآنِ أَوْ بَيَانِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الِاسْتِعْجَالُ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ إِنْ كَانَ فَعَلَهُ بِالْوَحْيِ فَكَيْفَ نُهِيَ عَنْهُ. الْجَوَابُ: لَعَلَّهُ فَعَلَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ، فَلِهَذَا نُهِيَ عنه.
سورة طه (20) : الآيات 115 الى 119وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119)
في قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ اعلم أن هذا هي الْمَرَّةُ السَّادِسَةُ مِنْ قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقُرْآنِ: أَوَّلُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ فِي الْأَعْرَافِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ فِي الإسراء ثم في الكهف، ثم هاهنا. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهًا.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ طه: 99 ثُمَّ إِنَّهُ عَظَّمَ أَمْرَ الْقُرْآنِ وَبَالَغَ فِيهِ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْجَازًا لِلْوَعْدِ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ:
وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً طه: 113 أَرْدَفَهُ بِقِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ طَاعَةَ بَنِي آدَمَ لِلشَّيْطَانِ وَتَرْكَهُمُ التَّحَفُّظَ مِنْ وَسَاوِسِهِ أَمْرٌ قَدِيمٌ فَإِنَّا قَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَرَّفْنَا لَهُمُ الْوَعِيدَ وَبَالَغْنَا فِي تَنْبِيهِهِ حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ نَسِيَ وَتَرَكَ ذَلِكَ الْعَهْدَ فَأَمْرُ الْبَشَرِ فِي تَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَمْرٌ قَدِيمٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً طه: 114 ذَكَرَ بَعْدَهُ قِصَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ بعد ما عَهِدَ اللَّه إِلَيْهِ وَبَالَغَ فِي تَجْدِيدِ الْعَهْدِ وَتَحْذِيرِهِ مِنَ الْعَدُوِّ نَسِيَ، فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ عَنِ التَّحَفُّظِ فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِرَبِّهِ فِي أَنْ يُوَفِّقَهُ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَيُجَنِّبَهُ عَنِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ طه: 114 دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْجِدِّ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِحَيْثُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَلَمَّا وَصَفَهُ بِالْإِفْرَاطِ وَصَفَ آدَمَ بِالتَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَسَاهَلَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَحَفَّظْ حَتَّى نَسِيَ فَوَصَفَ الْأَوَّلَ بِالتَّفْرِيطِ وَالْآخَرَ بِالْإِفْرَاطِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْبَشَرَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَوْعِ زَلَّةٍ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَلا تَعْجَلْ ضَاقَ قَلْبُهُ وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْلَا أَنِّي أَقْدَمْتُ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي وَإِلَّا لَمَا نُهِيتُ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ فَإِنَّمَا فَعَلْتَهُ حِرْصًا مِنْكَ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَحِفْظًا لِأَدَاءِ الْوَحْيِ/ وَإِنَّ أَبَاكَ أَقْدَمَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي لِلتَّسَاهُلِ وَتَرَكَ التَّحَفُّظَ فَكَانَ أَمْرُكَ أَحْسَنَ مِنْ أَمْرِهِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَهْدِ أَمْرٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى أَوْ نَهْيٌ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ فِي أَوَامِرِ الْمُلُوكِ وَوَصَايَاهُمْ أَشَارَ الْمَلِكُ إِلَيْهِ وَعَهِدَ إِلَيْهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَلَا يَقْرَبَهَا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ قَبْلِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ