الشَّهْرِ الْحَرَامِ مَا وَقَعَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: وَعَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا؟ الْجَوَابُ: كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ مَعَ إِكْرَامِي لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِهَذَا الْوَعْدِ لَا أَدَعُ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً أَوْ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ؟ الْجَوَابُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ وَبَعْدَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْمُرَادُ بِالْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ مَا فَعَلَهُ مُشْرِكُو مَكَّةَ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ مِنْ طَلَبِ آثَارِهِمْ، وَرَدِّ بَعْضِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ عَاقَبَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِمِثْلِ مَا فَعَلُوا فَسَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ النُّصْرَةُ الْمَذْكُورَةُ تُقَوِّي تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ لَا عَلَى الْقِصَاصِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهِيَ آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ عَنِ الضَّحَّاكِ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لِمَ سَمَّى ابْتِدَاءَ فِعْلِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ؟ الْجَوَابُ: أَطْلَقَ اسْمَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْأَوَّلِ/ لِلتَّعَلُّقِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشُّورَى: 40 ويُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
النِّسَاءِ: 142 .
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَدَبَ الْمُعَاقِبَ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْجَانِي بِقَوْلِهِ: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ الشُّورَى: 40 وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى الْبَقَرَةِ: 237 ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الشُّورَى: 43 فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْمَنْدُوبِ فَهُوَ نَوْعُ إِسَاءَةٍ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: إِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْإِسَاءَةِ وَغَفَرْتُهَا، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَذِنْتُ لَكَ فِيهِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ عَلَى الْبَاغِي، لَكِنَّهُ عَرَّضَ مَعَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ فَلَوَّحَ بِذِكْرِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ دَلَّ بِذِكْرِ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْعُقُوبَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْعَفْوِ إِلَّا الْقَادِرُ عَلَى ضِدِّهِ.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ بِمَا قَبْلَهُ؟
وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ذَلِكَ أَيْ ذَلِكَ النَّصْرُ بِسَبَبِ أَنَّهُ قَادِرٌ وَمِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ الْبَالِغَةِ كَوْنُهُ خَالِقًا لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمُتَصَرِّفًا فِيهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَالِمًا بِمَا يَجْرِي فِيهِمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّصْرِ مُصِيبًا فِيهِ وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ النَّصْرِ يَنْعَمُ فِي الدُّنْيَا بِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَوُلُوجِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ.
السُّؤَالُ السَّابِعُ: مَا مَعْنَى إِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَإِيلَاجِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْصُلُ ظُلْمَةُ هَذَا فِي مَكَانِ ضِيَاءِ ذَلِكَ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَضِيَاءُ ذَلِكَ فِي مَكَانِ ظُلْمَةِ هَذَا بِطُلُوعِهَا، كَمَا يُضِيءُ الْبَيْتُ بِالسِّرَاجِ وَيُظْلِمُ بِفَقْدِهِ وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَنْقُصُ مِنَ الْآخَرِ مِنَ السَّاعَاتِ.
السُّؤَالُ الثَّامِنُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى مَا