السُّؤَالُ الثَّالِثُ: الْعَطْفُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا مَعَ الْمُجَانَسَةِ فَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ؟ الْجَوَابُ: كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ مُبَالَغَةَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ سَمَاعِ الْأَدِلَّةِ وَرُؤْيَةِ الْعِبَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَعْطَاكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَوَقَفَكُمْ عَلَيْهَا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَادِمِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ الْأَحْقَافِ: 26 تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ حِرْمَانَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَوِجْدَانَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ إِلَّا مِنَ اللَّه. وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ عَظِيمَ نِعَمِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: بِإِعْطَاءِ السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ وَخَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يَقِلُّ مِنْهُمُ الشَّاكِرُونَ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُمْ شُكْرًا وَإِنَّ قَلَّ، لَكِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْكَفُورِ الْجَاحِدِ لِلنِّعْمَةِ مَا أَقَلَّ شُكْرَ فُلَانٍ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ خَلَقَكُمْ قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: وَيُحْتَمَلُ بَسَطَكُمْ فِيهَا ذُرِّيَّةً بَعْضَكُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى كَثُرْتُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الْإِسْرَاءِ: 3 فَنَقُولُ:
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُتَنَاسِلِينَ، وَيَحْشُرُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى دَارٍ لَا حَاكِمَ فِيهَا سِوَاهُ، فَجَعَلَ حَشْرَهَمْ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَشْرًا إِلَيْهِ لَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ أَيْ نِعْمَةُ الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ أَنْعَمَ بِهَا فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الِانْتِقَالُ إِلَى دَارِ الثَّوَابِ وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ:
وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَوَجْهُ النِّعْمَةِ بِذَلِكَ مَعْلُومٌ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ حَذَّرَ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ فَقَالَ: أَفَلا تَعْقِلُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الزَّجْرِ والتهديد وقرئ أَفَلا يَعْقِلُونَ.
سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 83بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَوْضَحَ الْقَوْلَ فِي دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ الْمَعَادِ فَقَالَ: بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ مَعَ وُضُوحِ الدَّلَائِلِ وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِلْأَوَّلِينَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ حَكَى الشُّبْهَةَ عنهم من وجهين: أحدهما: قولهم: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَثَانِيهُمَا: قَوْلُهُمْ: لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ هَذَا الْوَعْدَ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ وَقَعَ قَدِيمًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ مَعَ طُولِ الْعَهْدِ، فَظَنُّوا أَنَّ الْإِعَادَةَ تَكُونُ فِي دَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالُوا لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ وَالْأَسَاطِيرُ جَمْعُ أَسْطَارٍ وَالْأَسْطَارُ جَمْعُ سَطْرٍ أَيْ مَا كَتَبَهُ الْأَوَّلُونَ مِمَّا لَا حَقِيقَةَ له، وجمع أسطورة أوفق.
سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 90قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)