الْأَسْوَاقُ وَرَابِعُهَا: أَنَّهَا الْحَمَّامَاتُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْجَمِيعِ تَحْتَ الْآيَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكُلِّ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ مَأْذُونٌ بِدُخُولِهَا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلدَّاخِلِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْخَانَاتِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِدُخُولِ الدَّاخِلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ فَهُوَ وَعِيدٌ لِلَّذِينِ يَدْخُلُونَ الْخَرِبَاتِ وَالدُّورَ الخالية من أهل الريبة.
سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
الحكم السابع حكم النظراعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْفَظُ الْفَرْجَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ كَالْفُرُوعِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُؤْمِنُونَ مَأْمُورُونَ بِهَا ابْتِدَاءً، وَالْكُفَّارُ مَأْمُورُونَ قَبْلَهَا بِمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ تَابِعَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ حَالُهُمْ كَحَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهَا، لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَمَكَّنُ مِنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ مَنْ دُونِ مُقَدِّمَةٍ، وَالْكَافِرَ لَا يَتَمَكَّنُ إِلَّا بِتَقْدِيمِ مُقَدِّمَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ التَّكَالِيفِ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ الرِّجَالَ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ، وَأَمَرَ النِّسَاءَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ الرِّجَالَ وَزَادَ فِيهِنَّ أَنْ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَالَ الْأَكْثَرُونَ (مِنْ) هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ، وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ أَنْ تَكُونَ مَزِيدَةً، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ الْأَعْرَافِ: 85 فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الْحَاقَّةِ: 47 وَأَبَاهُ سِيبَوَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ دَخَلَتْ فِي غَضِّ الْبَصَرِ دُونَ حِفْظِ الْفَرْجِ؟ قُلْنَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّظَرِ أَوْسَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِمَ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُعُورِهِنَّ وَصُدُورِهِنَّ وَكَذَا الْجَوَارِي الْمُسْتَعْرِضَاتُ، وَأَمَّا أَمْرُ الْفَرْجِ فَمُضَيَّقٌ، وَكَفَاكَ فَرْقًا أَنْ أُبِيحَ النَّظَرُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ وَحُظِرَ الْجِمَاعُ إِلَّا مَا استثنى