يُرِيدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَيَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا،
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِلْخِطْبَةِ»
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «خَطَبْتُ امْرَأَةً فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَظَرْتَ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ لَا، قَالَ فَانْظُرْ فَإِنَّهَا أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا «1» »
فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِلشَّهْوَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَدُلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ الْأَحْزَابِ: 52 وَلَا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إِلَّا بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ وَثَانِيهَا: إِذَا أَرَادَ شِرَاءَ جَارِيَةٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا مُتَأَمِّلًا حَتَّى يَعْرِفَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَرَابِعُهَا: يَنْظُرُ إِلَيْهَا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى غَيْرِ الوجه لأن المعرفة تحصل أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا لِلشَّهْوَةِ فَذَاكَ مَحْظُورٌ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ «2» »
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي»
وَقِيلَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ النَّظْرَةُ تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ، وَرُبَّ شَهْوَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلًا. أَمَّا الْكَلَامُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَى بَدَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَقَدِ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ صُوَرًا إِحْدَاهَا: يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ الْأَمِينِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا لِلْمُعَالَجَةِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْخَتَّانِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ الْمَخْتُونِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. وَثَانِيَتُهَا: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إِلَى فَرْجِ الزَّانِيَيْنِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَى/ فَرْجِهَا لِتَحَمُّلِ شَهَادَةِ الْوِلَادَةِ، وَإِلَى ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، لِأَنَّ الزِّنَا مَنْدُوبٌ إِلَى سَتْرِهِ، وَفِي الْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى نَظَرِ الرِّجَالِ لِلشَّهَادَةِ وَثَالِثَتُهَا: لَوْ وَقَعَتْ فِي غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَدَنِهَا لِيُخَلِّصَهَا، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَجْنَبِيَّةُ أَمَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ عَوْرَتُهَا مَا لَا يَبِينُ لِلْمِهْنَةِ فَخَرَجَ مِنْهُ أَنَّ رَأْسَهَا وَسَاعِدَيْهَا وَسَاقَيْهَا وَنَحْرَهَا وَصَدْرَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَفِي ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَمَا فَوْقَ سَاعِدَيْهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَا يَجُوزُ لَمْسُهَا وَلَا لَهَا لَمْسُهُ بِحَالٍ لَا لِحِجَامَةٍ وَلَا اكْتِحَالٍ وَلَا غَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّمْسَ أَقْوَى مِنَ النَّظَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ وَبِالنَّظَرِ لَا يُفْطِرُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ مِنَ الْأَمَةِ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ مَحْرَمٍ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ فَعَوْرَتُهَا مَعَهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَوْرَتُهَا مَا لَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه فَأَمَّا سَائِرُ التَّفَاصِيلِ فَسَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُسْتَمْتَعَةً كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا حَتَّى إِلَى فَرْجِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْفَرْجِ وَكَذَا إِلَى فَرْجِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ
يُرْوَى أَنَّهُ يُورِثُ الطَّمْسَ،
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَرْهُونَةً. فَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ،
رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ جَارِيَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ»
وَأَمَّا عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْهَا فَعَوْرَتُهُ مَعَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَقِيلَ جَمِيعُ بَدَنِهِ إِلَّا الوجه وَالْكَفَّيْنِ كَهِيَ مَعَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، لِأَنَّ بَدَنَ الْمَرْأَةِ فِي ذَاتِهِ عَوْرَةٌ بدليل أنه لا تصح