سُورَةُ الْفُرْقَانِ
سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً مَكِّيَّةً بِسْمِ اللَّه الرحمن الرحيم
سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)
اعْلَمْ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ خَتَمَهَا بِذِكْرِ صِفَاتِ الْعِبَادِ الْمُخْلِصِينَ الْمُوقِنِينَ، وَلَمَّا كَانَ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ وَإِثْبَاتُ صِفَاتِ جَلَالِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْكُلِّ لَا جَرَمَ افْتَتَحَ اللَّه هَذِهِ السُّورَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَالَ الزَّجَّاجُ: تَبَارَكَ: تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ وَفِيهِ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَزَايَدَ خَيْرُهُ وَتَكَاثَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِبْرَاهِيمَ: 34 وَالثَّانِي:
تَزَايَدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشُّورَى:
11 وَأَمَّا تَعَالِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي ذَاتِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ بِوُجُوبِ وَجُودِهِ وَقِدَمِهِ عَنْ جَوَازِ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ بِفَرْدَانِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَأَمَّا تَعَالِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي صِفَاتِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ ضَرُورِيًّا أَوْ كَسْبِيًّا أَوْ تَصَوُّرًا أَوْ تَصْدِيقًا وَفِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَادَّةٍ وَمُدَّةٍ وَمِثَالٍ وَجَلْبِ غَرَضٍ وَمَنَالٍ، وَأَمَّا فِي أفعاله فحل أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ وَالْبَقَاءُ وَصَلَاحُ حَالِ الْوُجُودِ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ تَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ، وَمِنْ بُرُوكِ الطَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ، وَسُمِّيَتِ الْبِرْكَةُ بِرْكَةً لِثُبُوتِ الْمَاءِ فِيهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَاقٍ فِي ذَاتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا مُمْتَنِعُ التَّغَيُّرِ وَبَاقٍ/ فِي صِفَاتِهِ مُمْتَنِعُ التَّبَدُّلِ، وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِوُجُوهِ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ وَالْمُبْقِي لَهَا وَجَبَ وَصْفُهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: كَلِمَةُ (الَّذِي) مَوْضُوعَةٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الشَّيْءِ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ تَعْرِيفِهِ بِقَضِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَعِنْدَ هَذَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ فكيف حسن هاهنا لَفْظُ (الَّذِي) ؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا ظَهَرَ بِحَسَبِ الدَّلِيلِ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّه، فَلِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَظُهُورِهِ أَجْرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَجْرَى الْمَعْلُومِ.