يَبَسًا فِي حَقِّ مُوسَى وَقَوْمِهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَامَلَ دُخُولُهُمُ الْبَحْرَ انْطَبَقَ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا فِي ذَلِكَ الْمَاءِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً فَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي حَدَثَ فِي الْبَحْرِ آيَةٌ عَجِيبَةٌ مِنَ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى حِكْمَتِهِ مِنْ حَيْثُ وَقَعَ مَا كَانَ مَصْلَحَةً فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَعَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِينَ بِهِ أَبَدًا فَيَصِيرُ تَحْذِيرًا مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ، وَيَكُونُ فِيهِ اعْتِبَارٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ فَقَدْ كَانَ يَغْتَمُّ بِتَكْذِيبِ قَوْمِهِ مَعَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَيْهِ فَنَبَّهَهُ اللَّه تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْرِ عَلَى أَنَّ لَهُ أُسْوَةً بِمُوسَى وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى مُوسَى مِنْ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ الَّتِي تَبْهَرُ الْعُقُولَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَذَّبُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ مَعَ مُشَاهَدَتِهِمْ لِمَا شَاهَدُوهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. فَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِ أَكْثَرِهِمْ لَكَ وَاصْبِرْ عَلَى إِيذَائِهِمْ فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يُصْلِحُوا وَيَكُونَ فِي هَذَا الصَّبْرِ تَأْكِيدُ الحجة عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فَتَعَلُّقُهُ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَوْمَ مَعَ مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْبَاهِرَةِ كَفَرُوا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَزِيزًا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُهْلِكَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى مَا أَهْلَكَهُمْ بَلْ أَفَاضَ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعَ رَحْمَتِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ على كمال رحمته وسعة جوده وفضله.
سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 77وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
القصة الثانية- قصة إبراهيم عليه السلاماعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ شِدَّةَ حُزْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ كُفْرِ قَوْمِهِ/ ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَعْرِفَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْمِحْنَةِ كَانَتْ حَاصِلَةً لِمُوسَى: ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهَا قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَعْرِفَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَنَّ حُزْنَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا السَّبَبِ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنِهِ، لِأَنَّ مِنْ عَظِيمِ الْمِحْنَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَرَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي النَّارِ وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِنْقَاذِهِمْ إِلَّا بِقَدْرِ الدُّعَاءِ وَالتَّنْبِيهِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَعْبُدُونَ