تَبَرَّأَ مِنْهُ
التَّوْبَةِ: 114 وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ جَائِزٌ لِلْكَافِرِ فَلَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ مَشْرُوطًا لَمَا مَنَعَهُ اللَّه عَنْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ إِنَّهُ عَلَى دِينِهِ بَاطِنًا وَعَلَى دِينِ نَمْرُوذَ ظَاهِرًا تَقِيَّةً وَخَوْفًا، فَدَعَا لَهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافَ ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْهُ، لِذَلِكَ قَالَ فِي دُعَائِهِ: إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ فَلَوْلَا اعْتِقَادُهُ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِضَالٍّ لَمَا قَالَ ذَلِكَ.
الْمَطْلُوبُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْإِخْزَاءُ مِنَ الْخِزْيِ وَهُوَ الْهَوَانُ، أَوْ مِنَ الْخَزَايَةِ وهي الحياء وهاهنا أَبْحَاثٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تُخْزِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّه تَعَالَى شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي قَوْلِهِ:
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ الشعراء: 82 .
وَثَانِيهَا: أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَمَتَى حَصَلَتِ الْجَنَّةُ، امْتَنَعَ حُصُولُ الْخِزْيِ، فَكَيْفَ قَالَ بَعْدَهُ: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النَّحْلِ: 27 فَمًا كَانَ نَصِيبُ الْكُفَّارِ فَقَطْ فَكَيْفَ يَخَافُهُ الْمَعْصُومُ؟ جَوَابُهُ: كَمَا أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ فَكَذَا دَرَجَاتُ الْأَبْرَارِ دَرَكَاتُ الْمُقَرَّبِينَ وَخِزْيُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.
وَثَالِثُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : فِي (يُبْعَثُونَ) ضَمِيرُ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَوْ ضَمِيرُ الضَّالِّينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُهُ بِهَذَا الْوَصْفِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الصَّافَّاتِ: 83، 84 .
ثُمَّ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَكَ: هَلْ لِزَيْدٍ مَالٌ وَبَنُونَ؟ فَتَقُولُ مَالُهُ وَبَنُوهُ سَلَامَةُ قَلْبِهِ، تُرِيدُ نَفْيَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ عَنْهُ وَإِثْبَاتَ سَلَامَةِ الْقَلْبِ لَهُ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَثَانِيهَا: أَنْ نَحْمِلَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَعْنَى وَنَجْعَلَ الْمَالَ وَالْبَنِينَ فِي مَعْنَى الْغِنَى كَأَنَّهُ قِيلَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ غِنًى إِلَّا غِنَى مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ لِأَنَّ غِنَى الرَّجُلِ فِي دِينِهِ بِسَلَامَةِ قَلْبِهِ كَمَا أَنَّ غِنَاهُ فِي دُنْيَاهُ بِمَالِهِ وبنيه وثالثها: أن نجعل (من) مفعولا لينفع أَيْ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا رَجُلًا سَلِمَ قَلْبُهُ مَعَ مَالِهِ حَيْثُ أَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّه تَعَالَى، وَمَعَ بَنِيهِ حَيْثُ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الدِّينِ، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ/ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَالْبَنِينَ، أَمَّا السَّلِيمُ فَفِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ:
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ سَلَامَةُ الْقَلْبِ عَنِ الْجَهْلِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ صِحَّةَ الْبَدَنِ وَسَلَامَتَهُ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولِ مَا يَنْبَغِي مِنَ الْمِزَاجِ وَالتَّرْكِيبِ وَالِاتِّصَالِ وَمَرَضَهُ عِبَارَةٌ عَنْ زَوَالِ أَحَدِ تِلْكَ الْأُمُورِ فَكَذَلِكَ سَلَامَةُ الْقَلْبِ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولِ مَا يَنْبَغِي لَهُ وَهُوَ الْعِلْمُ وَالْخُلُقُ الْفَاضِلُ وَمَرَضُهُ عِبَارَةٌ عَنْ زَوَالِ أَحَدِهِمَا فَقَوْلُهُ:
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنِ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ وَالْمِيلِ إِلَى شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا فَإِنْ قِيلَ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ سَلِمَ قَلْبُهُ كَانَ نَاجِيًا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى سَلَامَةِ اللِّسَانِ وَالْيَدِ جَوَابُهُ: أَنَّ الْقَلْبَ مُؤَثِّرٌ وَاللِّسَانَ وَالْجَوَارِحَ تَبَعٌ فَلَوْ كَانَ الْقَلْبُ سَلِيمًا لَكَانَا سَلِيمَيْنِ لَا مَحَالَةَ، وَحَيْثُ لَمْ يَسْلَمَا ثَبَتَ عَدَمُ سَلَامَةِ الْقَلْبِ التَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ السَّلِيمَ هُوَ اللَّدِيغُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه تَعَالَى التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلِيمَ هُوَ الَّذِي سَلِمَ وَأَسْلَمَ وَسَالَمَ وَاسْتَسْلَمَ واللَّه أعلم.
سورة الشعراء (26) : الآيات 90 الى 104وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99)
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)