اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى إِقَامَتَهَا عَلَى الْكُفْرِ مَعَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلَائِلِ ذَكَرَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَظْهَرَ مِنَ الْأَمْرِ مَا صَارَ دَاعِيًا لَهَا إِلَى الْإِسْلَامِ وهو قوله يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
والصرح القصر كقوله: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً غَافِرٍ: 36 وَقِيلَ صَحْنُ الدَّارِ، وقرأ ابن كثير عن اقَيْها
بِالْهَمْزِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُؤْقًا فَأَجْرَى عَلَيْهِ الْوَاحِدَ، وَالْمُمَرَّدُ الْمُمَلَّسُ،
رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ قَبْلَ قُدُومِهَا فَبُنِيَ لَهُ عَلَى طَرِيقِهَا قَصْرٌ مِنْ زُجَاجٍ أَبْيَضَ كَالْمَاءِ بَيَاضًا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَاءَ تَحْتَهُ وَأَلْقَى فِيهِ السَّمَكَ وَغَيْرَهُ وَوَضَعَ سَرِيرَهُ فِي صَدْرِهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَعَكَفَ عَلَيْهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ،
وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَزِيدَهَا اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِهِ وَتَحَقُّقًا لِنُبُوَّتِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْجِنَّ كَرِهُوا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَتُفْضِي/ إِلَيْهِ بِأَسْرَارِهِمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ جِنِّيَّةٍ، وَقِيلَ خَافُوا أَنْ يُولَدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَيَجْتَمِعُ لَهُ فِطْنَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ إِلَى مُلْكٍ هُوَ أَشَدُّ، فَقَالُوا إِنَّ فِي عَقْلِهَا نُقْصَانًا وَإِنَّهَا شَعْرَاءُ السَّاقَيْنِ وَرِجْلُهَا كَحَافِرِ حِمَارٍ فَاخْتَبَرَ سُلَيْمَانُ عَقْلَهَا بِتَنْكِيرِ الْعَرْشِ، وَاتَّخَذَ الصَّرْحَ لِيَتَعَرَّفَ سَاقَهَا، وَمَعْلُومٌ مِنْ حَالِ الزُّجَاجِ الصَّافِي أَنَّهُ يَكُونُ كَالْمَاءِ فَلَمَّا أَبْصَرَتْ ذَلِكَ ظَنَّتْهُ مَاءًا رَاكِدًا فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا لِتَخُوضَهُ، فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ سَاقًا وَقَدَمًا، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ تَزَوَّجَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّرْحِ تَهْوِيلَ الْمَجْلِسِ وَتَعْظِيمَهُ، وَحَصَلَ كَشْفُ السَّاقِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهَا هُوَ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ اسْتَتَرَتْ، وَعَجِبَتْ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّتْ بِهِ عَلَى التوحيد والنبوة، فقالت: بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
فِيمَا تَقَدَّمَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الكفر ثم قالت: أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
وَقِيلَ حَسِبَتْ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُغْرِقُهَا فِي اللُّجَّةِ، فقالت ظلمت نفسي بسوء ظني سليمان، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تَزَوَّجَهَا أَمْ لَا، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ أَوْ قَبْلَ أَنْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا، وَالْأَظْهَرُ فِي كَلَامِ النَّاسِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَلَيْسَ لِذَلِكَ ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ، وَلَا فِي خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَمَّا أَسْلَمَتْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي مِنْ قَوْمِكِ مَنْ أُزَوِّجُكِ مِنْهُ فَقَالَتْ مِثْلِي لَا يَنْكِحُ الرِّجَالَ مَعَ سُلْطَانِي، فَقَالَ النِّكَاحُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَتْ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَزَوِّجْنِي ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ هَمْدَانَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمْ يَزَلْ بها ملكا واللَّه أعلم.
سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53)
القصة الثالثة- قصة صالح عليه السلام