حَكِيمٌ
أَيْ كَامِلُ الْقُدْرَةِ فَيَكُونُ لَهُ مَقْدُورَاتٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَإِلَّا لَانْتَهَتِ الْقُدْرَةُ إِلَى حَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلْإِيجَادِ وَهُوَ حَكِيمٌ كَامِلُ الْعِلْمِ فَفِي عِلْمِهِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فَتَحَقَّقَ أَنَّ الْبَحْرَ لَوْ كَانَ مِدَادًا لَمَا نَفِدَ مَا فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لَمَّا بَيَّنَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ ذَكَرَ ما يبطل «1» استبعادهم للمعشر وَقَالَ: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ وَمَنْ لَا نَفَادَ لِكَلِمَاتِهِ يَقُولُ لِلْمَوْتَى كُونُوا فَيَكُونُوا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُونَ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ فَإِذًا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْبَعْثِ وَمُحِيطًا بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ يُوجِبُ ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ التَّامَّ وَالِاحْتِرَازَ الكامل. ثم قال تعالى:
سورة لقمان (31) : آية 29أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ وَجْهَ التَّرْتِيبِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لقمان: 20 عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ ذَكَرَ مِنْهَا بَعْضَ مَا هُوَ فِيهِمَا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بِقَوْلِهِ:
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَقَوْلُهُ: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إشارة إلى ما في السموات، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لُقْمَانَ: 31 إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الْأَرْضِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْبَعْثَ وَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ الْجَاثِيَةِ: 24 وَالدَّهْرُ هُوَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ الَّتِي تَنْسُبُونَ إِلَيْهَا الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ هِيَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ إِنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُسَيَّرٌ الشَّمْسُ تَارَةً تَكُونُ الْقَوْسَ «2» الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ اللَّيْلُ أَقْصَرَ وَالنَّهَارُ أَطْوَلَ وَتَارَةً تَكُونُ بِالْعَكْسِ وَتَارَةً يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَسَاوَيَانِ فَقَالَ تَعَالَى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَعْنِي إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا فِي أَوَائِلِهَا مِنَ اللَّهِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهَا بِأَسْرِهَا عَائِدَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالْآجَالُ إِنْ كَانَتْ بِالْمَدَدِ وَالْمَدَدُ بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ فَسَيْرُ الْكَوَاكِبِ لَيْسَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِيلَاجُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إِيلَاجُ اللَّيْلِ فِي زَمَانِ النَّهَارِ أَيْ يَجْعَلُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ النَّهَارُ اللَّيْلَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَ إِذَا كَانَ مَثَلًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً ثُمَّ يَطُولُ يَصِيرُ اللَّيْلُ مَوْجُودًا فِي زَمَانٍ كَانَ فِيهِ النَّهَارُ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إِيلَاجُ زَمَانِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ أَيْ يَجْعَلُ زَمَانَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَ إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً إِذَا قَصَّرَ صَارَ زَمَانُ اللَّيْلِ مَوْجُودًا فِي النَّهَارِ وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا لِأَنَّ إِيلَاجَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ مُحَالُ الْوُجُودِ فَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِضْمَارِ لَا بُدَّ مِنْهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَفْعَالٌ وَالْأَفْعَالُ فِي الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ الزَّمَانَ ظَرْفٌ فَقَوْلُنَا اللَّيْلُ فِي زَمَانِ النَّهَارِ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِنَا زَمَانُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَجْعَلُ الظَّرْفَ مَظْرُوفًا. إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ أَيْ يُوجِدُهُ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ النَّهَارُ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ إِيجَادَ اللَّيْلِ عَلَى إِيجَادِ النَّهَارِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: