الْمِثَالُ الْخَامِسُ: شُهُودُ الْقِصَاصِ إِذَا رَجَعُوا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ يَلْزَمُهُمُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُمْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَهْدَرُوا دَمَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ دَمُهُمْ مُهْدَرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْقَتْلُ ظُلْمًا فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، أَمَّا أَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْقَتْلُ فَالْحِسُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا فَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ لَا يَقْتُلَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْإِثْمَ الْعَظِيمَ وَالْعِقَابَ الشَّدِيدَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَوَجَبَ أَنْ يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَانِيَ أَبْطَلَ حَيَاتَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ إِبْطَالِ حَيَاةِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: الْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا وَنَحْنُ وَإِنْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي المثال الأول إلا أنا نذكر هاهنا وَجْهًا آخَرَ مِنَ الْبَيَانِ، فَنَقُولُ إِنَّ الْقَاتِلَ أَتْلَفَ عَلَى مَالِكِ الْعَبْدِ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: مَنَافِعُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَاصِبَ فَوَّتَ عَلَى الْمَالِكِ مَنَافِعَ تُقَابَلُ فِي الْعُرْفِ بِدِينَارٍ فَوَجَبَ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلَهُ مِنَ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ تَفْوِيتَ هَذَا الْقَدْرِ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: الْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالْعَبْدِ لَكَانَ هُوَ مُسَاوِيًا لِلْعَبْدِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها غَافِرٍ: 40 وَلِسَائِرِ النُّصُوصِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا ثُمَّ إِنَّ عَبْدَهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ غَيْرِهِ مُسَاوِيًا لَعَبْدِ نَفْسِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ لِعَيْنِ هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ عَبْدُ نَفْسِهِ مُسَاوِيًا لَعَبْدِ غَيْرِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ، فَكَانَ عَبْدُ نَفْسِهِ مِثْلًا لِمِثْلِ نَفْسِهِ، وَمِثْلُ الْمِثْلِ مِثْلٌ فَوَجَبَ كَوْنُ عَبْدِ نَفْسِهِ مِثْلًا لِنَفْسِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ، وَلَوْ قُتِلَ الْحُرُّ بِعَبْدِ غيره لقتل بعبد نَفْسَهُ بِالْبَيَانِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ الْعَشَرَةَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنْ أَخَذَتِ الْفَطَانَةُ بِيَدِهِ سَهُلَ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ على هذا الأصل والله أعلم، ثم هاهنا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي قَطْعِ الْأَيْدِي لَا شَكَّ أَنَّهُ صَدَرَ كُلُّ الْقَطْعِ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ كُلِّهِمْ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي أَزْيَدُ مِنْ تَفْوِيتِ يَدٍ وَاحِدَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ يَدٍ وَاحِدَةٍ حَرَامًا لَكَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ حَرَامًا، لِأَنَّ تَفْوِيتَ النَّفْسِ يَشْتَمِلُ عَلَى تَفْوِيتِ الْيَدِ فَتَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يُوجِبُ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ/ فَلَوْ كَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ حَرَامًا لَكَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ لِأَجْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَرَامِ وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ النُّفُوسِ الْعَشَرَةِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، وَحَيْثُ أَجْمَعْنَا