بِسَبَبِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْفَاكِهَةِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ تَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي مَرَّةً بَعْدَ أخرى، تكميلا لرغبتهم وتقوية لدواعيهم.
سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 80إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْوَعْدَ، أَرْدَفَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُسْتَمِرِّ فِي الْقُرْآنِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى القطع بوعيد الفسق بِقَوْلِهِ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَلَفْظُ الْمُجْرِمِ يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْكُلِّ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَقَوْلُهُ خالِدُونَ يَدُلُّ عَلَى الْخُلُودِ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْخُلُودِ وَالدَّوَامِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا، يَدُلُّ عَلَى أن المراد من لفظ المجرمين هاهنا الْكُفَّارُ، أَمَّا مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فَلِأَنَّهُ قال: يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ الزُّخْرُفِ: 68، 69 فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا مُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ تحت قوله يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ آمَنَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِآيَاتِهِ وَأَسْلَمَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الْوَعْدِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ هَذَا الْوَعِيدِ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ وَالْمُرَادُ بالحق هاهنا إِمَّا الْإِسْلَامُ وَإِمَّا الْقُرْآنُ، وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ لَا يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ وَلَا الْقُرْآنَ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمُجْرِمِينَ الْكُفَّارُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ عَذَابَ جَهَنَّمَ في حق المجرمين بصفات ثلاثة أحدهما: الْخُلُودُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طُولِ الْمُكْثِ وَلَا يُفِيدُ الدَّوَامَ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ أَيْ لَا يُخَفَّفُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَتَرَتْ عَنْهُ الْحُمَّى إِذَا سَكَنَتْ وَنَقَصَ حَرُّهَا وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَالْمُبْلِسُ الْيَائِسُ السَّاكِتُ سُكُوتَ يَائِسٍ مِنْ فَرَجٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ يُجْعَلُ الْمُجْرِمُ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ يُقْفَلُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى فِيهِ خَالِدًا لَا يُرَى، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقُرِئَ وَهُمْ فِيهَا أَيْ وَهُمْ فِي النَّارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ فَقَالَ إِنْ كَانَ خَلَقَ فِيهِمُ الْكُفْرَ لِيُدْخِلَهُمُ النَّارَ فَمَا الَّذِي نَفَاهُ بِقَوْلِهِ وَما ظَلَمْناهُمْ وَمَا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِمْ مِمَّا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ؟ أو ليس لَوْ أَثْبَتْنَاهُ ظُلْمًا لَهُمْ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْقَوْمُ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ الْفِعْلُ لَمْ يَقَعْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فقط، بل