ثُمَّ قَالَ: مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ وَلَا يُرِيدُهُمَا فَهُوَ مع جوابه معلوم، والله أعلم.
سورة الدخان (44) : الآيات 40 الى 50إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ الدخان: 38 إِثْبَاتُ الْقَوْلِ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، فَلَا جَرَمَ ذَكَرَ عَقِيبَهُ قَوْلَهُ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ وَفِي تَسْمِيَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِيَوْمِ الْفَصْلِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْحَسَنُ: يَفْصِلُ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ الثَّانِي: يَفْصِلُ فِي الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ الثَّالِثُ: أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْفَصْلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ مَا يَكْرَهُهُ، وَفِي حَقِّ الْكُفَّارِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَظْهَرُ حَالُ كُلِّ أَحَدٍ كَمَا هُوَ، فَلَا يَبْقَى فِي حَالِهِ رِيبَةٌ وَلَا شُبْهَةٌ، فَتَنْفَصِلَ الْخَيَالَاتُ وَالشُّبُهَاتُ، وَتَبْقَى الْحَقَائِقُ وَالْبَيِّنَاتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمَعْنَى أَنَّ يَوْمَ يَفْصِلُ الرَّحْمَنُ بَيْنَ عِبَادِهِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، ثُمَّ وَصَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً يُرِيدُ قَرِيبٌ/ عَنْ قَرِيبٍ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ نَاصِرٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُتَوَقَّعُ مِنْهُ النُّصْرَةُ إِمَّا الْقَرِيبُ فِي الدِّينِ أَوْ فِي النَّسَبِ أَوِ الْمُعْتَقُ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ بِالْمَوْلَى، فَلَمَّا لَمْ تَحْصُلِ النُّصْرَةُ مِنْهُمْ فَبِأَنْ لَا تَحْصُلَ مِمَّنْ سِوَاهُمْ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً إلى قوله وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة: 123 قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَوْلًى عَنْ مَوْلًى الْكُفَّارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ الْمُؤْمِنَ فَإِنَّهُ تَشْفَعُ لَهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَقَامَ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيَامَةِ حَقٌّ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِوَصْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ذَكَرَ عَقِيبَهُ وَعِيدَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ بَعْدَهُ وَعْدَ الْأَبْرَارِ، أَمَّا وَعِيدُ الْكُفَّارِ فَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ بِكَسْرِ الشِّينِ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: شَجَرَةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا، وَشَيَرَةٌ بِالْيَاءِ، وَشَبَرَةٌ بِالْبَاءِ.