خَيْرًا مِمَّا كَانَ، غَيْرَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ ضَحْوَةَ النَّهَارِ، وَيُرِيدُ كَوْنَهُ فِي الصُّبْحِ عَلَى حَالِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: كَانَ الْمَرِيضُ وَقْتَ الصُّبْحِ خَيْرًا وَتَغَيَّرَ ضَحْوَةَ النَّهَارِ وَثَالِثُهَا: بِمَعْنَى صَارَ يَقُولُ الْقَائِلُ أَصْبَحَ زَيْدٌ غَنِيًّا وَيُرِيدُ بِهِ صَارَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالْمُرَادُ هاهنا هُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ وَكَذَلِكَ أَمْسَى وَأَضْحَى، وَلَكِنْ لِهَذَا تَحْقِيقٌ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ لَا بُدَّ فِي اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ مِنِ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي وَاخْتِلَافِ الْفَوَائِدِ، فَنَقُولُ الصَّيْرُورَةُ قَدْ تَكُونُ مِنِ ابْتِدَاءِ أَمْرٍ وَتَدُومُ، وَقَدْ تَكُونُ فِي آخَرَ بِمَعْنَى آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَكُونُ مُتَوَسِّطَةً.
مِثَالُ الْأَوَّلِ: قَوْلُ الْقَائِلِ صَارَ الطِّفْلُ فَاهِمًا أَيْ أَخَذَ فِيهِ وَهُوَ فِي الزِّيَادَةِ.
مِثَالُ الثَّانِي: قَوْلُ الْقَائِلِ صَارَ الْحَقُّ بَيِّنًا وَاجِبًا أَيِ انْتَهَى حَدُّهُ وَأَخَذَ حَقَّهُ.
مِثَالُ الثَّالِثِ: قَوْلُ الْقَائِلِ صَارَ زَيْدٌ عَالِمًا وَقَوِيًّا إِذَا لَمْ يُرِدْ أَخْذَهُ فِيهِ، وَلَا بُلُوغَهُ نِهَايَتَهُ بَلْ كَوْنَهُ مُتَلَبِّسًا بِهِ مُتَّصِفًا بِهِ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَأَصْلُ اسْتِعْمَالِ أَصْبَحَ فِيمَا يَصِيرُ الشَّيْءُ آخِذًا فِي وَصْفٍ وَمُبْتَدِئًا فِي أَمْرٍ، وَأَصْلُ أَمْسَى فِيمَا يَصِيرُ الشَّيْءُ بَالِغًا فِي الْوَصْفِ نِهَايَتَهُ، وَأَصْلُ أَضْحَى التَّوَسُّطُ لَا يُقَالُ أَهْلُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأُمُورِ وَيَسْتَعْمِلُونَ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، نَقُولُ إِذَا تَقَارَبَتِ الْمَعَانِي جَازَ الِاسْتِعْمَالُ، وَجَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُنَافِي الْأَصْلَ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ أَصْلُهُ مُضِيٌّ وَاسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالًا شَائِعًا فِيمَا لَا يُشَارِكُهُ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَتُصْبِحُوا أَيْ فَتَصِيرُوا آخِذِينَ فِي النَّدَمِ مُتَلَبِّسِينَ بِهِ ثُمَّ تَسْتَدِيمُونَهُ وَكَذَلِكَ في قوله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً أَيْ أَخَذْتُمْ فِي الْأُخُوَّةِ وَأَنْتُمْ فِيهَا زَائِدُونَ وَمُسْتَمِرُّونَ، وَفِي الْجُمْلَةِ اخْتَارَ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَقْرُونَ بِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، إِمَّا فِي الثَّوَابِ أَوْ فِي الْعِقَابِ وَكِلَاهُمَا فِي الزِّيَادَةِ، وَلَا نِهَايَةَ لِلْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: نادِمِينَ النَّدَمُ هَمٌّ دَائِمٌ وَالنُّونُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ فِي تَقَالِيبِهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ مَعْنَى الدَّوَامِ، كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: أَدْمَنَ فِي الشُّرْبِ وَمُدْمِنٌ أَيْ أَقَامَ، وَمِنْهُ الْمَدِينَةُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ فِيهِ فَائِدَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: تَقْرِيرُ التَّحْذِيرِ وَتَأْكِيدُهُ، وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ قَالَ بَعْدَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنِّي أَصَبْتُ قَوْمًا فَمَاذَا عَلَيَّ؟ بَلْ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الْهَمُّ الدَّائِمُ وَالْحُزْنُ الْمُقِيمُ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّيْءِ وَاجِبُ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ.
وَالثَّانِيَةُ: مَدْحُ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ لَسْتُمْ مِمَّنْ إِذَا فَعَلُوا سَيِّئَةً لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا بَلْ تُصْبِحُونَ نَادِمِينَ عَلَيْهَا.
سورة الحجرات (49) : آية 7وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
وَلْنَذْكُرْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا قِيلَ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ، أَمَّا مَا قِيلَ فَلْنَخْتَرْ أَحْسَنَهُ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِنَّهُ بَحَثَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بَحْثًا طَوِيلًا، فَقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ لَيْسَ كَلَامًا مُسْتَأْنِفًا لِأَدَائِهِ إِلَى تَنَافُرِ النَّظْمِ، إِذْ لَا تَبْقَى مُنَاسِبَةٌ بَيْنَ قَوْلِهِ وَاعْلَمُوا وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ ثُمَّ وَجْهُ التَّعَلُّقِ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي تَقْدِيرِ حَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي قَوْلِهِ فِيكُمْ كَانَ التَّقْدِيرُ كَائِنٌ فِيكُمْ، أَوْ مَوْجُودٌ فِيكُمْ، عَلَى حَالٍ تُرِيدُونَ أَنْ يُطِيعَكُمْ أَوْ يَفْعَلَ بِاسْتِصْوَابِكُمْ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَعَنِتُّمْ أَوْ لَوَقَعْتُمْ فِي شِدَّةٍ أَوْ أولمتم به.