مُنَاسِبَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى/ الْحَالِ تَقْدِيرُهُ: قَرُبَتْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ غَايَةَ التَّقْرِيبِ أَوْ نَقُولُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مَعْنَى أُزْلِفَتْ قَرُبَتْ وَهِيَ غَيْرُ بَعِيدٍ، فَيَحْصُلُ الْمَعْنَيَانِ جَمِيعًا الْإِقْرَابُ وَالِاقْتِرَابُ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ الْقُرْبَ وَالْحُصُولَ لَا لِلْمَكَانِ فَيَحْصُلُ مَعْنَيَانِ الْقُرْبُ الْمَكَانِيُّ بِقَوْلِهِ غَيْرَ بَعِيدٍ وَالْحُصُولُ بِقَوْلِهِ أُزْلِفَتِ وَقَوْلُهُ، غَيْرَ بَعِيدٍ مَعَ قَوْلِهِ أُزْلِفَتِ عَلَى التَّأْنِيثِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ غَيْرَ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ تَقْدِيرُهُ مَكَانًا غَيْرَ الثَّانِي: التَّذْكِيرُ فِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ الْأَعْرَافِ: 56 إِجْرَاءٌ لِفَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مَجْرَى فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ غَيْرَ مَنْصُوبٌ نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ إِزْلَافًا غَيْرَ بَعِيدٍ، أَيْ عَنْ قُدْرَتِنَا فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَنَّةَ مَكَانٌ، وَالْمَكَانُ لَا يَقْرُبُ وَإِنَّمَا يُقْرَبُ مِنْهُ، فَقَالَ الْإِزْلَافُ غَيْرُ بَعِيدٍ عن قدرتنا فإنا نطوي المسافة بينهما.
سورة ق (50) : آية 32هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هَذَا مَا تُوعَدُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
لِكُلِّ أَوَّابٍ بَدَلٌ عَنِ الْمُتَّقِينَ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: (أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ الزُّخْرُفِ: 33 غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ وَهَذَا بَدَلُ الْكُلِّ وَقَالَ:
هَذَا إِشَارَةً إِلَى الثَّوَابِ أَيْ هَذَا الثَّوَابُ مَا تُوعَدُونَ أَوْ إِلَى الْإِزْلَافِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أُزْلِفَتِ ق: 31 أَيْ هَذَا الْإِزْلَافُ مَا وُعِدْتُمْ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى لَا مَا يُوعَدُ بِهِ يُقَالُ لِلْمَوْعُودِ هَذَا لَكَ وَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هَذَا مَا قُلْتُ إِنَّهُ لَكُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ بَدَلًا عَنِ الضَّمِيرِ فِي تُوعَدُونَ، وَكَذَلِكَ إِنْ قُرِئَ بِالْيَاءِ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ هَذَا لِكُلِّ أَوَّابٍ بَدَلًا عَنِ الضَّمِيرِ، وَالْأَوَّابُ الرَّجَّاعُ، قِيلَ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ مِنَ الذُّنُوبِ وَيَسْتَغْفِرُ، وَالْحَفِيظُ الْحَافِظُ لِلَّذِي يَحْفَظُ تَوْبَتَهُ مِنَ النَّقْضِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْأَوَّابُ هُوَ الرَّجَّاعُ إِلَى اللَّهِ بِفِكْرِهِ، وَالْحَفِيظُ الَّذِي يَحْفَظُ اللَّهَ فِي ذِكْرِهِ أَيْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِالْفِكْرِ فَيَرَى كُلَّ شَيْءٍ وَاقِعًا بِهِ وَمُوجَدًا مِنْهُ ثُمَّ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَفِظَهُ بِحَيْثُ لَا يَنْسَاهُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالنَّعْمَاءِ، وَالْأَوَّابُ وَالْحَفِيظُ كِلَاهُمَا مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ يَكُونُ كَثِيرَ الْأَوْبِ شَدِيدَ الْحِفْظِ، وَفِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ أَدَقُّ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّابَ هُوَ الَّذِي رَجَعَ عَنْ مُتَابَعَةِ هَوَاهُ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَالْحَفِيظُ هُوَ الَّذِي إِذَا أَدْرَكَهُ بِأَشْرَفِ قُوَاهُ لَا يَتْرُكُهُ فَيُكْمِلُ بِهَا تَقْوَاهُ وَيَكُونُ هَذَا تَفْسِيرًا لِلْمُتَّقِي، لِأَنَّ الْمُتَّقِي هُوَ الَّذِي اتَّقَى الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّابُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَرِفُ بِغَيْرِهِ وَيَرْجِعُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَفِيظُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ إِلَى شَيْءٍ مما عداه. ثم قال تعالى:
سورة ق (50) : آية 33مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
وَفِي مَنْ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: / وَهُوَ أَغْرَبُهَا أَنَّهُ مُنَادَى كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: يَا مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ادْخَلُوهَا بِسَلَامٍ وَحَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ شَائِعٌ وَثَانِيهَا: مَنْ بَدَلٌ عَنْ كُلٍّ فِي قَوْلِهِ تعالى: لِكُلِّ أَوَّابٍ ق: 32 مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ تَقْدِيرُهُ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِمَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ، ثَالِثُهَا: فِي قوله تعالى: أَوَّابٍ حَفِيظٍ ق:
32 مَوْصُوفٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِكُلِّ شَخْصٍ أَوَّابٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ خَشِيَ