بِمَا فِيهَا مِنَ الْحِسَانِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ هذا لكم، بقوله هذا ما تُوعَدُونَ ق: 32 ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ أَجْرُ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ وقوله مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ ق: 33 فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ الَّذِي مَلَكَ شَيْئًا بِعِوَضٍ أَتَمُّ فِيهِ مِنْ تَصَرُّفِ مَنْ مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ فِي التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثم زاد في الإكرام بقوله ادْخُلُوها ق: 34 كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ إِكْرَامٌ، لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابَهُ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يَقِفْ بِبَابِهِ مَنْ يُرَحِّبُ الدَّاخِلِينَ، لَا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِالْإِكْرَامِ التام، ثم قال: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ق: 34 أَيْ لَا تَخَافُوا مَا لَحِقَكُمْ مِنْ قَبْلُ حَيْثُ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْهَا، فَهَذَا دُخُولٌ لَا خُرُوجَ بَعْدَهُ مِنْهَا.
ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ قَالَ لَا تَخَافُوا انْقِطَاعَ أَرْزَاقِكُمْ وَبَقَاءَكُمْ فِي حَاجَةٍ، كَمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَنْ كَانَ يُعَمَّرُ يُنَكَّسُ وَيَحْتَاجُ، بَلْ لَكُمُ الخلود، ولا ينفد ما تمتعون بِهِ فَلَكُمْ مَا تَشَاءُونَ فِي أَيِّ وَقْتٍ تَشَاءُونَ، وَإِلَى اللَّه الْمُنْتَهَى، وَعِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَا يُوَصَفُ مَا لَدَيْهِ، وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَعَظَمَةُ مَنْ عِنْدَهُ تَدُلُّكَ عَلَى فَضِيلَةِ مَا عِنْدَهُ، هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ، فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قال تعالى: ادْخُلُوها بِسَلامٍ ق: 34 عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ مَا الْحِكْمَةُ فِيهِ؟ الْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ادْخُلُوها مُقَدَّرٌ فِيهِ يُقَالُ لَهُمْ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوها فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا الْتِفَاتًا الثَّانِي: هُوَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ وَالْحِكْمَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: أَكْرَمَهُمْ بِهِ فِي حُضُورِهِمْ، فَفِي حُضُورِهِمُ الْحُبُورُ، وَفِي غَيْبَتِهِمُ الْحُورُ وَالْقُصُورُ وَالثَّالِثُ: هُوَ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مَعَ الْمَلَائِكَةِ، يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: تَوَكَّلُوا بِخِدْمَتِهِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا، فَأَحْضِرُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا يَشَاءُونَ، وَأَمَّا أَنَا فَعِنْدِي مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ، وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لَفْظَ مَزِيدٌ ق: 30 يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الزِّيَادَةَ، فَيَكُونُ كَمَا فِي قَوْلَهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ يُونُسَ: 26 وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ عِنْدِنَا مَا نَزِيدُهُ عَلَى مَا يَرْجُونَ وَمَا يكون مما يشتهون.
سورة ق (50) : آية 36وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً.
لَمَّا أَنْذَرَهُمْ بم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، أَنْذَرَهُمْ بِمَا يُعَجَّلُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهْلِكِ وَالْإِهْلَاكِ الْمُدْرِكِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ حَالَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي مَوَاضِعَ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أُمُورٌ أَحَدُهَا: إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ الْعَاجِلِ وَالْعِقَابِ الْآجِلِ، فَلِمَ تَوَسَّطَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ إلى قوله وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ق: 31- 35 نَقُولُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دُعَاءً بِالْخَوْفِ وَالطَّمَعِ، فَذَكَرَ حَالَ الْكَفُورِ الْمُعَانِدِ، وَحَالَ الشَّكُورِ الْعَابِدِ فِي الْآخِرَةِ تَرْهِيبًا وَتَرْغِيبًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْعَذَابِ الْأَبَدِيِّ الدَّائِمِ، فَمَا أَنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ الْمُهْلِكِ الَّذِي أَهْلَكَ أَمْثَالَكُمْ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ التَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْعَاجِلَةِ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْآجِلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلُ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَ حَالَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ فَأَهْلَكَهُ نَقُولُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ كَانَتْ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا مُتَقَلِّبِينَ فِي النِّعَمِ، فَلَمْ يَذْكُرْهُمْ