يُفِيدُ كَوْنَهُمْ مَفْعُولِينَ بِالتَّشَقُّقِ فَكَانَ التَّشَقُّقُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَبْرِ كَمَا يُقَالُ كَشَفَ عَنْهُ فَهُوَ مَكْشُوفٌ عَنْهُ فَيَصِيرُ سِرَاعًا هَيْئَةَ الْمَفْعُولِ كَأَنَّهُ قَالَ مُسْرِعِينَ وَالسِّرَاعُ جَمْعُ سَرِيعٍ كَالْكِرَامِ جَمْعُ كَرِيمٍ.
قَوْلُهُ ذلِكَ حَشْرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى التَّشَقُّقِ عَنْهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْإِخْرَاجِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ سِرَاعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ الْحَشْرُ حَشْرٌ يَسِيرٌ، لِأَنَّ الْحَشْرَ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَلْفَاظِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَيْنا يَسِيرٌ بِتَقْدِيمِ الظَّرْفِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَيْ هُوَ عَلَيْنَا هَيِّنٌ لَا عَلَى غَيْرِنَا وَهُوَ إِعَادَةُ جَوَابِ قَوْلِهِمْ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق: 3 وَالْحَشْرُ الْجَمْعُ وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمْعُ الْأَجْزَاءِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَجَمْعُ الْأَرْوَاحِ مَعَ الْأَشْبَاحِ أَيْ يُجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ رُوحِ وَجَسَدِهَا وَجَمْعُ الْأُمَمِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَالرِّمَمِ المتمزقة والكل واحد في الجمع.
سورة ق (50) : آية 45نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: تَسْلِيَةً لِقَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَتَحْرِيضٌ لَهُمْ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّسْبِيحِ، أَيِ اشْتَغِلْ بِمَا قُلْنَاهُ وَلَا يَشْغَلُكَ الشَّكْوَى إِلَيْنَا فَإِنَّا نَعْلَمُ أَقْوَالَهُمْ وَنَرَى أَعْمَالَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ مُنَاسِبٌ لَهُ أَيْ لَا تَقُلْ بِأَنِّي أُرْسِلْتُ إِلَيْهِمْ لِأَهْدِيَهُمْ، فَكَيْفَ أَشْتَغِلُ بِمَا يَشْغَلُنِي عَنِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالتَّسْبِيحُ، فَإِنَّكَ مَا بُعِثْتَ مُسَلَّطًا عَلَى دَوَاعِيهِمْ وَقُدَرِهِمْ، وَإِنَّمَا أُمِرْتَ بِالتَّبْلِيغِ، وَقَدْ بَلَغْتَ فَاصْبِرْ وَسَبِّحْ وَانْتَظِرِ الْيَوْمَ الَّذِي يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَكُمْ ثَانِيهَا: هِيَ كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَتَخْوِيفٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ق: 43 ظَاهِرٌ فِي التَّهْدِيدِ بِالْعِلْمِ بِعَمَلِكُمْ لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى الْمَلِكِ وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَلِكَ لَا يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْقَبَائِحِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ وَعِنْدَهُ غَيْبُهُ وَإِلَيْهِ عَوْدُهُ يَمْتَنِعُ فَقَالَ تعالى: وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ونَحْنُ أَعْلَمُ/ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّهْدِيدِ، وَهَذَا حِينَئِذٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الزمر: 7 ثَالِثُهَا: تَقْرِيرُ الْحَشْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْحَشْرَ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَنُفُوذِ إِرَادَتِهِ وَلَكِنَّ تَمَامَ ذَلِكَ بِالْعِلْمِ الشَّامِلِ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَ جُزْءِ بَدَنَيْنِ جُزْءِ بَدَنِ زَيْدٍ وَجُزْءِ بَدَنِ عَمْرٍو فَقَالَ: ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ لِكَمَالِ قُدْرَتِنَا، وَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا الْأَجْزَاءُ لِمَكَانِ عِلْمِنَا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ مَعْنَاهُ نَحْنُ نَعْلَمُ عَيْنَ مَا يقولون في قولهم أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً المؤمنون: 82 ، أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ السَّجْدَةِ: 10 فَيَقُولُ نَحْنُ نَعْلَمُ الْأَجْزَاءَ الَّتِي يَقُولُونَ فِيهَا إِنَّهَا ضَالَّةٌ وَخَفِيَّةٌ وَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ نَحْنُ نَعْلَمُ وَقَوْلُهُمْ فِي الْأَوَّلِ جَازَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً فَيَكُونُ المراد من قوله بِما يَقُولُونَ أَيْ قَوْلَهُمْ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ تَكُونُ خَبَرِيَّةً، وَعَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ نَحْنُ أَعْلَمُ إِذْ لَا عَالِمَ بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ سِوَاهُ حَتَّى يَقُولَ نَحْنُ أَعْلَمُ نَقُولُ قَدْ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِرَارًا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَفْعَلَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب: 37 وفي قوله تعالى: أَحْسَنُ نَدِيًّا مَرْيَمَ: 77 ، وَفِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرُّومِ: 27 .
ثَانِيهَا: مَعْنَاهُ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ بِمَا يَعْلَمُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَأَوْضَحُ وَأَشْهَرُ وَقَوْلُهُ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فيه وجوه: أحدها: أن لِلتَّسْلِيَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَّ عَلَيْهِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الشُّغُلِ